نسمع يوميّاً عن مجانين المشاهير وعشاق النجوم، ونتابع أحياناً أخبارهم التي تجمع بين الطرافة والجد، وفي مرات كثيرة نقرأ أو نسمع أحاديث عن مغامرات يعيشها هؤلاء المهووسون بمشاهير الفن والرياضة وحتى السياسة، وقد وصل هوس بعضهم إلى السجون وربما إلى الموت إمّا انتحاراً أو في حادث أثناء مطاردة معشوقه. ولكن، ثمة أنواع أخرى من المعجبين ينتهجون منحى آخر يتّسم بالحلم والخيال أكثر من الواقع المعيش، فترى الواحد منهم يحدثك عن لقاءاته بنجمه المفضل وأحاديثه الطويلة معه وغير ذلك من الأمور المتخيّلة خصوصاً إذا كان هذا النجم راحلاً. هذه حال الشاب التونسي لطفي النفّاتي الذي يعمل سائق تاكسي في العاصمة تونس، وتعرف سيارته باسم «تاكسي العندليب». لطفي مهووس كثيراً بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، ومفتون بكل ما يتعلّق به، لباسه وتسريحة شعره ومشيته وحركاته وسكناته. هو يسعى خلف أخباره ولو بعد وفاته عبر الجرائد والمجلات ويجمعها في أرشيف خاص، ويشاهد أفلامه ويستمع الى أغانيه من دون ملل. عن بداية علاقته بالعندليب الأسمر يقول النفاتي: «بدأت حكايتى مع مشهد حزين للغاية تابعته في التلفزيون وفيه امرأة تحمل على كتفيها ابنها الذي استشهد أثناء حرب الخليج الثانية وكان عمري 12 سنة فقط». ويضيف: «كانت في أعلى يمين شاشة التلفزيون صورة للفنان عبدالحليم حافظ يغني «قارئة الفنجان»... وأذكر أنني بكيت كثيراً جراء المشهد الحزين الذي كان مرفقاً بصوت عبدالحليم المرهف والحساس». من هنا كانت بداية العلاقة الغريبة التي ربطت لطفي بمطربه، إذ تأثر بطريقة غنائه وانطلق في جمع كل ما يتعلّق به من أغان وكتب وقصص وكل ما يتعلق بحياته، هو فنان الحب والإحساس كما يسمّيه. ويقول النفاتي: «عبدالحليم حافظ يغني عني ويتناول تفاصيل حياتى كلها وهو بالنسبة إلي كالماء الذي يتسرب في مسام جلدي، وأشعر أنه يعرفني جيّداً وهو دائماً ما يبتسم لي وحدي». وعمّا يملكه من مقتنيات، يقول: «عندى مئات المجلات التي كتبت عنه والكثير من الكتب التي صدرت عن حياته وفنّه ومسيرته، وطبعاً كل أغانيه، فضلاً عن مئات الصور والملصقات. وقد كتبت عنه أكثر من خمسة وعشرين مقالاً في الصحف والمجلات التونسية إحياء لذكراه». ومع كل حبه للعندليب وعشقه اللامتناهي له ولفنّه، إلاّ انه حتى اليوم لم يزر قبره بسبب ظروفه المادية. لكنّه يقول إنه لطالما حلم به: «لقد التقيته كثيراً في أحلامي وحضرت معه بعض حفلاته وقابلته وتبادلنا الحديث واكتشفت فيه الإنسان من خلال تلك اللقاءات».