يبشّر نجاح الأغنيات الاجتماعية ببداية أفول نجم الأغنيات المصنفة تحت اطار الرومانطيقية التي لا تتضمن في معانيها الا ما هو بسيط و «عادي» ومتداول منذ سنين. الموجة الجديدة المقبلة، تأتي بعد نجاح الدويتو الشهير الذي جمع العملاقين ابو بكر سالم وعبدالله الرويشد في أغنية «ما في أحد مرتاح»، و «دوارة الأيام» للفنان جورج وسوف، فقد حقق هذا النمط الغنائي نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وفتح شهية المغنين على الأغنية الاجتماعية التي تلامس وجع الناس، وتتحدث لغتهم، وتسرد أحوالهم، وتخبر ما يخفون ويعلنون في حياتهم الطبيعية. يعود ألق الأغنية الاجتماعية الى بداية عصر النهضة الموسيقية في مطلع القرن العشرين. منذ ذلك الوقت، برزت أغنيات كثيرة تتحدث عن أحوال الناس، وكان في مقدمة مغنّي هذا النمط الفني مطربون كبار أمثال شيخ امام وسيد درويش وسواهما في مصر. حتى أن شعراء الأغنية أمثال عبدالرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم التمسوا أهمية الأغنية المعبرة عن هواجس الطبقات الاجتماعية الفقيرة، فأبدعوا في تصنيف هذا النوع من الغناء، وجعلوه في مقدم اهتماماتهم، الى جانب الأغنيات الوطنية والعاطفية. وعلى رغم انحسار هذا النمط الغنائي منذ التسعينات، الا أن المغنين لم ينقطعوا عن أداء أغنيات الناس. واخترقت أغنية المغني المصري خالد عجاج «في ناس بتحب تاخد كل حاجة» الموجة السائدة من الأغنيات العاطفية، فتركت اثراً كبيراً في نفوس الجماهير منذ بثها. ولا يخفى أن جورج وسوف أدرك أهمية الدعوات الاجتماعية في الأغنيات، فضم الى معظم أغنياته لمسة اجتماعية، حتى في الأغنيات العاطفية، وظهرت تلك اللمسة الخاصة، بطلب منه، في أغنيات «لسه الدنيا بخير» و «بيقولو الصبر طيب» وسواهما. أول نجاحات الأغنية الاجتماعية في الفترة الراهنة ظهرت مع الفنان وائل جسار الذي حقق نجاحاً كبيراً في أغنية «غريبة الناس». الأغنية أرّخت لوجع اجتماعي يتقاسمه البشر، فهي تتحدث بلسان حال ضحايا الغدر والخيانة وقلة الوفاء، وحقق جسار عبر هذه الأغنية سبقاً في الأوساط الفنية، وعبر بالأغنية الى مكان غير مسبوق، قبل أن تأتي شارات المسلسلات الدرامية التي عرضت في موسم رمضان الماضي لتقاسم جسار نجاحه، وتفتح شهية المغنين على أداء أغنيات اجتماعية ينافسون بها نجاح «دوارة الأيام» التي غناها جورج وسوف، و «الدبور» التي غناها أيمن زبيب. واذا كان اساس الغناء اجتماعياً، فإن المسلسلات الدرامية ساهمت في اعادة الأغنية الاجتماعية الى الساحة الغنائية. ولا يخفى دور الدراما في اعادة فرض هذا التوجه الغنائي على الساحة، بيد أنه، ومنذ نهاية موسم رمضان قبل شهرين، «باتت الأغنية الاجتماعية قابلة لتطرح بقوة، من غير ارتباط بالدراما». ويستدل على ذلك بطلب مغنين كبار أغنيات اجتماعية من شعراء وملحنين، منهم جورج وسوف الذي ينوي تكرار تجربة «دوارة الأيام» في أعماله المقبلة، كذلك ملحم زين الذي ينوي التطرق الى أغنيات اجتماعية تعبر عن هواجس الجمهور، إضافة الى الفنانة ميادة الحناوي التي يردد أصدقاء لها أنها تفكر بتقديم أغنية اجتماعية مختلفة عما قدمته من أغنيات عاطفية ورومانسية صرفة. ومما لا شك فيه أن عطش الناس لأغنية تتحدث عن حالهم، اساس لنجاح «الدبور» و «دوارة الأيام»، مهما لخصتا قصة مجتمع كبير، وظواهر اجتماعية منتشرة في العالم العربي وردت معالجتها في السياق الدرامي. ويشير نجاح تلك الأغنيتين الى أن الجمهور ملّ «بحبك وتحبيني» و «نسيتك ونسيتيني» كما يقول كاتب الأغنيتين يوسف سليمان الذي اعتبر أن «دوارة الأيام» «تتضمن خلاصة تجربة لفلسفة حياة تتقاسمها فئات اجتماعية معينة، وحدّت من الاستسهال والاستخفاف بالجمهور، وهو المبدأ الذي روجت له شركات انتاج من خلال تكريسها المعاني السهلة، والعبارات البسيطة». وأشار الى أن الدعوات الاجتماعية «تلقى قبولاً من كل الأطراف، وتغير ولو في شكل بسيط في سلوك اجتماعي يمارسه البشر». وبدّل نجاح الأغنيات التي طرحت أخيراً، قناعة بعض المنتجين والمغنين وحملهم على قبول أغنية تتضمن معاني وتعابير اجتماعية قاسية. فعبارة «سكين تطعن بالظهر» مثلاً، لم تكن مقبولة خارج سياق درامي مرتبط بمسلسل، ولكن من الآن فصاعداً، وبعد نجاح «الدبور»، «باتت العبارات المشابهة مقبولة، ولا تلقى أي اعتراض أو رفض»، كما يقول سليمان، لافتاً الى أن الأعمال المقبلة «ستتضمن عبارات أكثر قسوة، وحازت على موافقة المغنين».