الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الدوري علم عربي بارز في البحث العلمي في القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. وبدا لكل من يعرفه أو اتصل به متميزاً بعلمه الغزير الدقيق بل ورائداً في دراسة التاريخ الاقتصادي العربي الإسلامي. بدأ عطاء العلامة الدوري منذ أن حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1942 الى أن انتقل الى الرفيق الأعلى في 19/11/2010. فهو خدم العلم ما يقرب من السبعين سنةً. والدكتور الدوري لم يكن بالنسبة الى طلبته أستاذاً ومعلماً فحسب بل كان وبحق شيخاً وأباً للكثيرين ممن حظوا بنعمة التلمذة على يديه فيصدق فيه وفيهم بهذه المناسبة التعبير الألماني لهذه الصلة الروحية بأنه كان بالنسبة لهم Doktorvater وأظن ان الأمر كان كذلك بالنسبة له ايضاً. وبرز تميز الدوري بالبحث العلمي منذ أن أنهى دراسته في جامعة لندن بحصوله على شهادة الدكتوراه عن بحثه «تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري». إذ فتح باباً جديداً في البحث التاريخي عند العرب لم يكن معهوداً لديهم من قبل وهو البحث في التاريخ الاقتصادي العربي الإسلامي فحقق الريادة في هذا الباب. وارتبط باسم الدكتور الدوري المنهج العلمي الدقيق في فهم التاريخ الإسلامي وأصول البحث فيه ليس في التاريخ الاقتصادي فحسب، الذي لم يكن له فضل الريادة في دراسته فقط بل وفي منهج وطريقة دراسة هذا التاريخ والتاريخ الإسلامي في شكل عام. وظهر هذا جلياً في كتابه اللطيف حجماً العظيم فائدة وعلماً، الذي وضع فيه الخطوط العامة لتطور التاريخ الاقتصادي العربي، وأعطاه عنوان «مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي» الذي صدر لأول مرة عام 1969. وكان الدكتور الدوري حريصاً دائماً على الكتابة باللغة العربية فقط، حتى انه رفض نشر رسالته للدكتوراه بأصلها الإنكليزي وسرعان ما ترجمها للغة العربية تحت العنوان المذكور أعلاه، وكثيراً ما عاتبني بل ووجه اللوم إلي لأنني لم أترجم رسالتي للدكتوراه الى العربية خصوصاً، كما كان يقول - رحمه الله، انها كتبت بالألمانية. فهو لم يكتب قاصداً، كما كان يخبرني، كتاباً بغير العربية لأنه كان يسعى الى إثراء العربية والفكر العربي وكثيراً ما قال لي: «إذا ما رأى الآخرون ان ما نقوله ونكتبه يستحق القراءة فليقرأوه بالعربية او يترجموه». وهذا ما حصل فعلاً فقد تُرجم كتابه «مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي» الى الألمانية وصدر في عام 1979 تحت عنوان: Arabische Wirtschafttsgeschichte وترجم كتابيه «بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب» و «التكوين التاريخي للأمة العربية» الى الإنكليزية عامي 1983 و1987 على التوالي الأول تحت عنوان The Rise of Historical Writing Among The Arabs في برنستون. والثاني تحت عنوان The Historical Formation of The Arab Nation في نيويورك. وأخيراً أقول في هذه الكلمة الموجزة، ان الأستاذ المرحوم عبدالعزيز الدوري كان صاحب مدرسة ومنهج في دراسة التاريخ العربي الإسلامي وليس قي التاريخ الاقتصادي فحسب، وان لاحظ المتمعن في مجمل دراساته اهتماماً خاصاً في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. فجزاه الله بما عنده خير الجزاء. وأحسن اليه إحسانه لعباده المؤمنين المخلصين. على قدر ما انتفع وسينتفع من علمه الباحثون والمهتمون بدراسة التاريخ والفكر العربي الإسلامي. فقد كان أستاذاً لامعاً مميزاً رفيع المستوى لا يجاريه بمستواه الا القليلون، بأصالة فكره ودقة أحكامه التي كانت تستند دائماً على منهجه الذي كان يدعو اليه ويسير عليه، الا وهو العودة والاستناد الى المصادر الأولية دائماً باعتبارها أساس كل بحث علمي جاد. * أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية