يعتبر كتاب «أثينا العثمانية» للرحالة إيفليا جلبي من أدب الرحلات المتميز عن فترة حكم العثمانيين لمدينة أثينا في القرن ال17 الميلادي. وصدر الكتاب أخيراً عن مكتبة الإسكندرية، بترجمة وتقديم أحمد أمين؛ أستاذ الآثار الإسلامية المساعد في كلية الآثار في جامعة الفيوم، وشاكر موسى؛ الأستاذ في كلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر. ويأتي هذا الكتاب توضيحاً لأهمية مدينة أثينا، مدينة العلم والحكمة، ذات الثقافات والهويات المتعددة. واسم هذا المؤلف هو «سياحتنامه»، أي «كتاب الرحلات»، لكاتبه جلبي الذي زار المدينة في صيف عام 1667 ميلادية، وسجل مشاهداته؛ فوصف آثارها وعمارتها ومساجدها وكنائسها وبيوتها وطرقاتها ومناخها وعجائبها وأهلها وطبائعهم ونساءها وملابسهن ولغة أهلها وغيرها. ويعد هذا الكتاب كنزاً معرفياً كبيراً عن أحوال المدينة في ذلك العصر، ويفيد المختصين بعلوم الآثار والتاريخ والسلالات والجغرافيا وتاريخ العمارة والديكور والملابس والسينما واللغات واللهجات واللاهوت والفقه؛ إذ لم يترك صغيرة أو كبيرة في المجتمع الأثيني إلا وعلق عليها، سواء من الناحية الدينية أم السياسية أم الاجتماعية أم الاقتصادية. إيفليا بن درويش بن محمد جلبي، وُلد في إسطنبول في 25 آذار (مارس) 1611 ميلادية، ويعتقد أنه تُوفيّ خلال الثلث الأخير من العام 1684 عندما زار مصر ثانية وانتهت أخباره ولم يعرف مكان مقبرته. اسمه الحقيقي غير معروف، وإنما أُطلق عليه إيفليا («أوليا» في التركية)، نسبةً إلى معلمه إيفليا محمد أفندي. وجلبي لقب، ويعني في التركية «سيد». وكان أبوه يعمل في القصر السلطاني في إسطنبول، وأنهى تعليمه الأساسي قبل أن يتعلم القرآن والتجويد والحديث والحرف اليدوية الدقيقة مثل التذهيب والخط والموسيقى. عمل في البلاط السلطاني، وقام برحلات عدة لمدة تزيد على أربعين عاماً مسجلاً مشاهداته ووصف المدن التي زارها وتاريخها وآثارها في مؤلفه المكون من عشرة كتب المعروف ب «سياحتنامه». وفي الجزء الثامن من كتابه، ذكر زياراته للمدن اليونانية ورسم صورة مميزة لليونان في القرن ال17 بمدنها وجزرها وجبالها ودروبها وخطوط انتقالها وسكانها وآثارها وبساتينها ومزارعها ولغاتها ولهجاتها ومناخها وخصائصها وتوزيع سكانها وقصص ومواقف عدة وبتفاصيل كثيرة عبر كل العصور التي مرت بها مثل العصور الكلاسيكية والبيزنطية والعثمانية. وهناك عدد محدود جداً من مخطوط «سياحتنامه» والمكتوب بالخط العثماني (اللغة التركية المكتوبة بالحرف العربي). واعتمدت الترجمة الحالية للمخطوط على نسخة قسم «كشك» بغداد رقم 308. وهناك نسخ مطبوعة عدة من المؤلف. ويظهر الكتاب ثقافة إيفليا الموسوعية، خصوصاً الدينية والتاريخية المعبرة بامتياز عن ثقافة الإمبراطورية العثمانية في تلك الحقبة. وقام الرحالة بتسجيل الآثار المقدسة والتاريخية، ولم يقتصر على ذكر النماذج والآيات المعمارية فحسب، وإنما كان أقرب في عمله إلى مسح المدينة ومعالمها سواء أكانت وثنية أم مسيحية أم إسلامية وجرد كل العمائر بالمدينة. ثم يصف بعض الآثار وصفاً تفصيلياً مثل وصفه جامع البارثنون في المدينة، وأحياناً يكون في وصفه مقتضباً مركزاً على أهم العناصر المعمارية مثل طريقة التسقيف أو المئذنة أو تقنية البناء أو المساحة، وأحياناً يسجل النقوش المكتوبة على الآثار، وأحياناً يدون غياب كيان معماري كامل أو أحد عناصره أو ظاهرة معمارية مثل رصده غياب القباب المغطاة بالرصاص، وانتشار التغطية بالقرميد بدلاً منها في عمائر أثينا. وتتسم كتاباته بالدقة في الوصف والتسجيل. ونراه يسجل كل اللغات واللهجات التي قابلته، ما جعل من مؤلفه أول قاموس جامع في هذا السياق. وزار الأديرة وسجل لنا أوجه الحياة فيها وعدد الرهبان وكيفية العبادة ومنتجات هذه الأديرة وما تشتهر به. ويصدر المترجمان الكتاب المترجم بتصدير قصير. ثم يقوم المترجم الأول بكتابة مقدمة ضافية عن الرحالة وكتابه وزمنه. ويبدأ الرحالة إيفليا جلبي رحلته بوصف قصير للطريق إلى أثينا، ثم يصف مدينة أثينا، معقل الحكماء الأوائل، ثم يصف قلعة أثينا والجوامع السلطانية والمنشآت غير الإسلامية، ويذكر المبنى العجيب الذي يحتوي على أشياء غريبة، وبيوت عائلات المسلمين وغيرهم، وأزياء وملابس كفار أثينا، كما يطلق على غير المسلمين، والكنائس وسراي تنزه بلقيس والمبنى الرائع العجيب والعلم الغزير، وغرائب ميناء ذراكوس (آزدر)، والجبل المجنون وأصله والنباتات الموجودة وسفحه وعجائب الدير ودير رهبان بنديلي (مندل) والغار العجيب وميناء رافتي (دُرزي) وأماكن جديرة بالمشاهدة والنساء المحبوبات والعلماء والأطباء الأفذاذ واللغة اليونانية وفتح حصن جزيرة أجنا (أكنه) ووصف جزيرة كلور (كُولوري). وبعد أن ينهي إيفليا جلبي رحلته لمدينة أثينا الزاهرة، يذهب إلى محطة جديدة من محطاته العديدة ألا وهي «من أثينا إلى المورة».