حادثة طعن عضو الهيئة لرجل في إحدى أسواق حائل، حملت بعض الكتّاب والكاتبات إلى أن ينحرفوا بأقلامهم عن الموضوعية مرة أخرى بعد مرات، ومن الملاحظ أن كل قضية تكون الهيئة طرفاً فيها أو شبه طرف، يهرع هؤلاء إلى تصوير الحادثة بحسب رواية الخصم، وبأقلام فيها تحامل لا يخفى، فمن يقرأ مقالاتهم سيتشكل لديه انطباع بأن عضو الهيئة شخص مفرط الحمق ذو طبيعة عدوانية نزق الطباع، وأن الهيئة أوسعت له الميدان ليمارس عدوانيته. سيتشكل هذا الانطباع لأن تلك المقالات صوّرت له أن عضو الهيئة باغت الرجل بطعنتين بعد شجار احتدم بينهما سببه عين كشفها نقاب! وهكذا تقول رواية هذا الخصم، ولكن صحيفة «الحياة» نشرت يوم الإثنين الماضي رواية عضو الهيئة التي تصور الحادثة بشكل مغاير إلى حد بعيد، ولن تكون في احتمالها للكذب أغلب من رواية الخصم، فما الذي يجعل رواية العضو قطعاً كاذبة ورواية خصمه صادقة؟ رواية عضو الهيئة تذكر أن الطعن كان بمقلم أظفار مضمَّنا في مجموعة مفاتيح، فهو لم يستبطن شراً ولم يستبق الحادثة بإخفاء سكين في جيبه لغرض الاعتداء، كما ذكر عضو الهيئة أن الطعن لم يكن ابتداءً منه بعد شجار لم يُجاوز اللسان، وإنما كان بقصد الدفاع عن النفس، بعد أن اعتدى عليه خصمه وأخوه وجرّاه إلى داخل محل تجاري، ثم لكماه لكمات على أنفه ووجهه وتناوبا على ضربه، ونتف لحيته، ثم خنقه خصمه خنقاً شديداً، وقبل أن يطعنه بمقلم الأظفار هدده ليبعد يديه عن رقبته، إلا أنه رفض بل زاد عليه الخناق، فاضطر لطعنه به. كما أوضح مصدر طبي في مستشفى الملك خالد في حائل، أن موظف الهيئة أحضر إلى قسم الطوارئ في المستشفى بعد الحادثة وهو يعاني من آلام في منطقة الكتفين ورضوض، وكدمات متفاوتة بمنطقتي الوجه والبطن، مشيراً إلى أن المصاب تلقى الإسعافات الأولية، وأدخل قسم الجراحة لتلقي العلاج اللازم جراء ما لحق به من إصابات. فإن كان عضو الهيئة كاذباً فما الذي يجعل خصمه صادقاً؟ ولماذا يصر بعض الكتّاب على ألا يسمع ولا يصدق إلا خصم الهيئة أو خصم أعضائها؟ إن من المحتمل أن يكون الكذب موزعاً بين الطرفين، فلئن كان الاحتمال هذا قائماً، فلماذا لا يتريث هؤلاء المتعجلون حتى تخرج التحقيقات ويصدر الحكم بشأن الحادثة؟ أم تراها فرصة وجدوها لينالوا من الهيئة وعملها؟ الذين كتبوا بهذا التحامل المتعمد لانتهاك الموضوعية، أرادوا أن يجعلوا للحادثة أبعاداً أخرى اختلقوها، من أجل إسقاط الإدانة على الهيئة نفسها، فالهيئة بزعمهم سمتها التشدد والتضييق على عباد الله، بنهيهم عما أحله الله لهم، وأمرهم بما لم يأمرهم به سبحانه، أما الشاهد - في نظرهم - على هذا فهو هذه الحادثة التي كان سببها - على حد زعم الخصم - فهو أمرُ عضو الهيئة للمرأة قريبة الجاني المطعون بتغطية نقابها أو برقعها، وهذا أمر ينفيه عضو الهيئة ويدعي أنها كانت متبرجة، وعلى فرض كذبه في النفي، فهل واقعة واحدة كهذه تجعل جهاز الهيئة هو المدان بالتشدد والتضييق؟ وما شأن النساء في الأسواق اللاتي لا تخلو حالهن في الغالب: إما منقبة أو كاشفة الوجه، ولم تحصل لهن مضايقة من الهيئة بسبب ذلك؟ أتذكر أنه في حوادث كثيرة كان المجني فيها هي مراكز الهيئة في أعضائها أو سياراتها أو مكاتبها، ولم يكتب أحدٌ من هؤلاء يبدي قلقه بشأن تكرار هذه الحوادث، ولم يستشهد بها أحدٌ منهم على بروز ظاهرة العنف، وتجاوز الجهات الأمنية في المطالبة بالحق ورد الاعتبار. أحدهم قال: لا يمكن أن يجني أحد على الهيئة بإطلاق نار أو تخريب أو إحراق إلا وهو مدفوع بسبب قد يكون وجيهاً! فقبل أن نُدين الجاني لا بد أن نبحث عن سبب جنايته، فربما كان مظلوماً مقهوراً ينتصر لنفسه. وهنا أسأل: لماذا لم يتخذ هؤلاء الموقف ذاته في قضية حادثة حائل؟ أليس هذا المنطق الذي يسوغون به سكوتهم حين تكون الجناية على الهيئة يفرض نفسه هنا؟ أليس هذا المنطق ذاته يفرض عليهم التريث في إدانة رجل الهيئة، حتى تتضح الصورة بعد استكمال التحقيق والنطق بالحكم؟ ألم يقل أحد منهم لنفسه ربما كان هذا على سبيل الدفاع عن النفس؟ يبدو أن كثيراً مما كتب عن الحادثة لم يكن غيرة على المواطن السعودي بقدر ما هو تبرم وكره مستبطن لعمل الهيئة. *أكاديمي في الشريعة. [email protected]