أكد الدكتور عالي القرشي أن التجربة الشعرية الحديثة في السعودية جاءت ساعية «لتقديم حرية التعبير مصحوبة بحرية التشكيل في نزوع واضح للتجديد، واحتفاء برموز التحرر والوعي، وإفصاح عن الطموح والأشواق الإنسانية التي لا ترتهن إلا للكشف عن تجربة الإبداع لحال الإنسان مع معايشة الواقع، ومحاولة العبور فوق امتلاءاته لخلق مساحات متشكلة من فضاءات الطموح، فبعد مسافة زمنية من الإبداع الشعري العربي على نحو لا يظهر فيه دلالة على تغيّر لافت لا على مستوى الشكل ولا على مستوى الرؤية، جاءت القصيدة الجديدة متخلقة من رحم مواجهة التغيّرات والرغبة في تجاوز خوانق الواقع والعادات والإرث القديم، فبدأت القصيدة بمساءلة وجودها وهيئتها، ماذا تحمل؟ وبماذا تعبر؟ وأي شكل تظهر فيه؟». ويقول: «أمام الانقسام العربي على طريق النهضة وعلى بوابة الشعارات، كانت القصيدة تتشكل على هيئات متعددة من الانقسام، بين تراث ومعاصرة، وانضواء تحت الشعارات وانفصال عنها، ولذلك لم يكن اختيارها لطريقها يمر بدرب ذلول»، لافتاً إلى أنه مهما كان «تقويمنا للسؤال السياسي، فإن الناتج الإبداعي قد تأثر به وأثار فيه القلق والبحث عن مسار الإجابة وتجديد السؤال، فكان المخاض السياسي بما أثاره من صراع وتمزق وحروب يرتد على صهوات التعبير، ويشكل الرموز، ويهيئ الطاقة المنتجة». وأوضح القرشي أن البلاد السعودية لم تكن «بمعزل عن هذه التجربة في حالها السياسية أو في حالها الإبداعية، فلقد دلفت إلى العصر الحديث عبر بوابة حروب، وتغيرات آلت إلى وحدة كانت تبعث أسئلة استمرارها، وأسئلة بلوغها أفقاً حضارياً موعوداً وواعداً لأجيالها، ومحملة بإرث تاريخي يتخذ القداسة حيناً، والتبجيل حيناً آخر، وضرورة تجاوزه في حين آخر، ولم يكن مثار هذه الأسئلة في بعد عن العمق العربي الذي تنتمي إليه، والخيمة الإسلامية التي تظللها، ويشترك معها أهلها في الهوى والقبلة التي تحتضنها». وأشار في ورقة نقدية يقدمها في مهرجان «سؤال النهضة في الأدب والثقافة والفكر»، الذي تحتضه العاصمة الأردنية (عمان)، وبدأ أمس (الثلثاء) إلى أن التجربة الشعرية الحديثة في السعودية قدمت من خلال نماذجها النصية، «وما تمثل فيها من تجليات إنجازات حاورت الصمت، وظلت في حال استدعاء لتشكيلات جديدة، ومساءلة للتجارب حتى حققت حضوراً لافتاً على المستوى العربي ارتد أيضاً على تجدد المكاشفة النقدية وأسئلتها، وستحاول هذه الورقة متابعة تجليات جدل النص مع سؤال الحداثة، من خلال متابعة تمحور النص الشعري الحديث حول «قلق السؤال» و«كشف ما وراءه بالاستبصار والرؤية» عبر الرؤى التي تثيرها النصوص، في خطابها التساؤلي الذي غادر الإصدار عن الحقائق، والعواطف الذاتية إلى البحث عن القصيدة ذات الرؤية المتشكلة عبر وجودها في النص». ظهرت التجربة الشعرية الحديثة في الوطن العربي، كما يرى القرشي، «صادرة عن السؤال ومحتضنة له، فلم يكن مبعثها اليقين، لأن مشوار مسارها ليس واضحاً الرؤية، ولا واقعاً على أرض ذلول، فكانت الحداثة الشعرية بما تتهيأ له من صنع عالم يواجه التغير، ويثبت فيه قدمه لا بد لها أن تواجه تقاليد شعرية تتمرد عليها، لذا لم تعد تحفل بالجاهز ولا المتكون، ولا ذلك الذي يحترم صياغات السيادات المتنفذة، فلاح أمامها الصمت تستنطقه، والقلق تشكله، والخيبات تعتصر تجاربها، والمهمشون يظهرون كائنات وجودية لها مركز المتن وآفاقه، ذلك أن الحداثة برأي أدونيس «رؤية جديدة، وهي جوهرياً رؤية تساؤل واحتجاج: تساؤل حول الممكن واحتجاج على السائد، فلحظة الحداثة هي لحظة التوتر، أي التناقض والتصادر بين البنى السائدة في المجتمع وما تتطلبه حركته العميقة التغييرية من البنى التي تستجيب لها وتتلاءم معها»، ولذلك حفلت القصيدة بالسؤال. ويقدم القرشي في ورقته وقفات نقدية لنصوص مهمة حفلت بالأسئلة، نصوص لمحمد العلي ومحمد الثبيتي وخديجة العمري وفائزة سعيد.