انتهت مراسم ما سُمّي برحلة حج البابا بنديكتوس السادس عشر للأراضي المقدسة في منطقة الشرق الأوسط، أوهمونا بأن البرنامج سري لدواعي أمنية، وانكشفت الحقيقة بعد إتمام زيارته للأردن ووصوله للكيان الصهيوني، تسربت أخبار عن عزمه زيارة قطاع غزة الصامد وأحاط به الأعداء لإفشال نيته ووضع القيود والمقصلة أمامه، ونجح كالمعتاد فيروس الديبلوماسية الموسادية في تكبيل قدميه وحجب عينيه عن رؤية الحقيقة، الإستجابة كانت فورية ومن دون مقاومة تذكر لنعومة وهشاشة الموقف البابوي أصلاً من جريمة العدوان على غزة والقضية برمتها. نحن على يقين من أن تأثير الزيارة لن يُغيّر من الموقف الدولي شيئاً، ولكن لأن من سمع ليس كمن رأى، كنا نأمل لو كانت لديه شجاعة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي تجول في المدارس والمباني التابعة للأنروا في قطاع غزة ورأى بأم عينيه آثار الجريمة، كنا نود كذلك لو أن حضرة البابا تجول في أحياء وأزقة قطاع غزة ليرى آثار محرقة عنصرية بغيضة، وجريمة نكراء، وسيتأكد من أن جريمة الهولوكوست الحقيقية حدثت في غزة وارتكبت في غزة وآثارها لا تزال ماثلة للعيان في غزة، ولكن فيروس ديبلوماسية الكيان العنصري الصهيوني حرّم الزيارة ووضع قيوداً على البحث، وأغلق المنافذ أمام من يريد رؤية الحقيقة حتى لا يرتفع صوت الحق على رغم بيانه ووضوحه وحجة أدلته ومستنداته. أَطْرق قلب البابا بنديكتوس السادس عشر بالاستجابة وغابت عيناه عن رؤية الحقيقة، فجاء صوته خافتاً وفق التعاليم الكنائسية، واستمر على ملة من سبقوه بالمناداة بالسلام والتعايش بين المسلمين واليهود والمسيحيين، من دون تحديد من الذي يطالب بالتعايش السلمي ومن يرفضه، من هو صاحب الحق، ومن اغتصب الحق؟ وبقيت الحقيقة أسيرة في دهاليز البابوية مثلها مثل مجلس الأمن وهيئة الأممالمتحدة ومحكمة العدل الدولية، مرفوضة من فيروسات الديبلوماسية الإسرائيلية ومحروسة بمتاريس الدعم العسكري والديبلوماسي والمادي والمعنوي من قادة الديموقراطية في الغرب وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة الأميركية. انتهت رحلة البابا ذات الصبغة والأهداف الكاثوليكية العقائدية، وينتظر العرب رحلة الشهر القادم ذات اللون والطعم والهدف الديبلوماسي، والتي أعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك حسين أوباما سيقوم بها لمنطقة الشرق الأوسط، وسيصدح فخامته بخطبة عصماء يوجهها من منبر الأزهر الشريف إلى العالم الإسلامي المستهدف بالخطاب الأميركي، سبقها تسريب معلومات خرجت من بين الصلائب تقول بما أن الرئيس أوباما «غير»، والكيان الصهيوني هذه المرة «غير» والوضع الفلسطيني «غير» والخطر المحدق بالعرب والمسلمين «غير» والعدو المستهدف الذي سيخيفنا ويحذرنا منه «غير» لذلك ستكون رسالته «غير»، ثم خرج من بين الترائب تسريب معلومات تؤكد على أهمية «الغير» فالمطلوب هذه المرة حتى يتحقق السلام المنشود مع الكيان الصهيوني، وحتى يستطيع أبو حسين تنفيذ برنامج التغيير الذي وعد به هنالك أمران لا ثالث لهما: الأول، الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وهو الممر لإسقاط حق العودة للفلسطينيين وعدم مطالبتهم بأراضيهم ومنازلهم ومزارعهم وحقوقهم، والثاني حصول الكيان الصهيوني على اعتراف واضح وصريح ليس من الدول العربية فقط بل من جميع الدول الإسلامية، وأن يكون هذا الاعتراف مؤطراً بحقها في العيش بسلام وحقها في الأراضي الفلسطينية التي اغتصبتها وإسقاط جميع الجرائم التي ارتكبتها بحق العرب، واعتبارها ضمن إطار الدفاع على النفس، مقابل ماذا؟ مقابل النظر في إمكان قبول حكومة وشعب الكيان الصهيوني بأن يُعطي أصحاب حق الأرض والتاريخ والجغرافيا حكماً ذاتياً مجرداً من كل أشكال وممارسات الدولة، انتظروا معي وسترون في خطبة أبي حسين العجب العجاب، المهم وللحق والتاريخ أنه لم يكذب علينا ولم يخدعنا، بل قال ورفع للعالم كله شعار التغيير، وها هو الشعار يطبق على أرض الواقع، وللأسف ستنبري أقلام تترحم على بوش وتشيني ورامسفيلد، وحقيبة الخارجية التي تحولت من اللون الأسود إلى اللون الأبيض، لكن في محتواها هدف واحد وسياسة واحدة واستراتيجية معروفة ومرسومة منذ 50 عاماً يشرف على إدارتها وتنفيذها فيروسان، فيروس الديبلوماسية الموسادية، وفيروس الديبلوماسية الأميركية المتضامنان والمتطوران دائماً ضد العرب وقضاياهم. أعتقد جازماً أن الرئيس السابق بوش ترك للرئيس الحالي أوباما رسالة مفادها أن الكيان الصهيوني يواجه حصاراً بسبب المبادرة العربية، ووضعت الدولة في إحراج أمام المجتمع الدولي، وعليك من خلال شعار حملتك الانتخابية الذي قادك للفوز بالانتخابات إخراجهم من هذا اليم الديبلوماسي، وشمّر أوباما عن ساعديه ووضع مقادير طبخة الدعم والمساندة، ويستعد الآن لإزالة هذا الحمل عن الظالم ورميه في حجر المظلوم، واختار بعناية منبر تاريخياً إسلامياً في أكبر وطن عربي لإعادة إقامة الحجة على العرب وخنقهم بالحصارين الديبلوماسي والعسكري، وهذه المرة عليهم الحصول على إجماع من حكام العالم الإسلامي بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وصدقوني لو حصل وصادق حكام العالمين العربي والإسلامي على هذا الاعتراف لن يكون كافياً بالنسبة لهم، وسيطالبون بالحصول على تعهد وتوقيع بالموافقة من بليون مسلم فرداً فرداً، ولنستمع جيداً لخطبة سيد التغيير باراك أوباما الشهر المقبل وسنرى! * كاتب سعودي. [email protected]