في إحدى المواجهات الأعنف منذ انتهاء الحرب الكورية عام 1953، تبادل الجيشان الكوري الشمالي والكوري الجنوبي نحو ساعة النار على حدودهما البحرية، ما أسفر عن مقتل جنديين كوريين جنوبيين على الأقل وجرح 13 آخرين اضافة الى 4 مدنيين. وشكّل ذلك التوتر الثاني الأهم بين الكوريتين هذه السنة بعد اتهام سيول جارتها بيونغيانغ بإغراق سفينة حربية جنوبية بطوربيد، ما أدى الى مقتل 46 بحاراً، فيما شهدت الحدود الغربية بين الكوريتين اشتباكات دموية بين بحريتي الجنوب والشمال في عامي 1999 و2002 وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2009. تزامن ذلك مع زيارة المبعوث الأميركي الخاص لكوريا الشمالية ستيفن بوسوورث المنطقة لبحث استئناف المفاوضات السداسية المجمدة منذ مطلع 2009، واستطلاع آراء حلفاء بلاده بعد كشف العالم الأميركي سيغفريد هيكر انه شاهد خلال زيارته الأخيرة لكوريا الشمالية اكثر من الف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في مجمع يونغبيون النووي الكوري الشمالي. واندلعت المواجهات إثر اطلاق كوريا الشمالية 200 قذيفة مدفعية على جزيرة يونبيونغ التي تبعد نحو ثلاثة كيلومترات الى جنوب الحدود البحرية و 120 كيلومتراً الى غرب العاصمة الكورية الجنوبية سيول، فيما تحدثت تقارير اعلامية عن توجيه أكثر من 80 قذيفة على مواقع المدفعية الكورية الشمالية على الساحل الغربي. وأفاد شهود بأن النيران اندلعت في نحو 70 منزلاً من الجزيرة التي يقطنها حوالى 1600 شخص، فيما أعلنت شركة «كوجاس» الكورية الجنوبية التي تملكها الدولة إن مرافئ الغاز الطبيعي المسال قرب الجزيرة لم تتأثر بالقصف. وتحدثت وكالة أنباء «يونهاب» الكورية الجنوبية عن سقوط معظم القذائف في قاعدة عسكرية للجيش الكوري الجنوبي الذي اقرت قيادته لاحقاً بأنها أجرت تدريبات عسكرية «روتينية» قبالة الساحل الغربي قبل أن تطلق كوريا الشمالية عشرات القذائف، لكنها أكدت انها لم تستهدف الشمال الذي اتهم الجنود الكوريين الجنوبيين بفتح النار. ويشارك في المناورات التي بدأت أول من أمس 70 ألف جندي كوري جنوبي، علماً انها إحدى ثلاث أكبر مناورات دفاعية تجريها سيول سنوياً على الساحل الغربي، والتي تحتج عليها كوريا الشمالية دائماً، ما دفع وزارة الدفاع الكورية الجنوبية الى وصف الهجوم بأنه «متعمد وجرى التخطيط له، ويشكل انتهاكاً واضحاً للهدنة بين البلدين». ووضع الجيش الكوري الجنوبي جنوده في حال تأهب بعد القصف، ونشر طائرات حربية في الجزيرة التي إجلي سكانها إلى ملجأ. كما بعث رسالة هاتفية إلى كوريا الشمالية، مطالباً إياها بوقف الأعمال الاستفزازية. واتفق رئيس هيئة الأركان المشتركة هان مين كو في اتصال هاتفي أجراه مع قائد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية الجنرال ولتر شارب على النظر في الاعلان عن إدارة مشتركة للأزمة. وأكد مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه ان القوات الأميركية في كوريا الجنوبية والتي يبلغ عددها 28 الفاً تراقب الوضع عن كثب. لكنها لم تشارك في الرد على نيران مدفعية الشمال، علماً ان سيول كانت نفت قبل ساعات من الاعتداء درسها إعادة نشر أسلحة تكتيكية نووية أميركية على أراضيها، ما ناقض تلميح وزير الدفاع كيم تيه يونغ بهذا الأمر، بعد تقارير عن المنشأة الكورية الشمالية الجديدة لتخصيب اليورانيوم. وقال مسؤول بارز في الرئاسة الكوري الجنوبية: «هدفنا هو إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وهو لن يتغير». ردود دولية وفي ردور الفعل الدولية على القصف الكوري الشمالي، ندّد البيت الأبيض بالهجوم، وطالب بوقف العملية والالتزام بشروط الهدنة، مؤكداً «التزام الولاياتالمتحدة الدفاع عن حليفتها كوريا الجنوبية والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي». وأبدت الصين قلقها من تصعيد التوترات بين شطري الجزيرة الكورية. وقال الناطق باسم وزارة خارجيتها هونغ لي: «يجب ان يبذل الجانبان مزيداً من الجهد لإقرار السلام». وطالبت بضرورة العودة الى المحادثات السداسية التي تهدف الى تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والتي شكّلت محور زيارة المبعوث الأميركي الخاص لكوريا الشمالية بوسورث إلى بكين أمس، علماً انه صرح قبل وصوله اليها من طوكيو بأن المحادثات السداسية لن تستأنف في ظل تخصيب بيونغيانغ اليورانيوم. وفي لندن، اعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الهجوم المدفعي الكوري الشمالي «غير مبرر، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من التوترات في شبه الجزيرة الكورية»، بينما رحّب بدعوة رئيس كوريا الجنوبية لي ميونغ باك إلى ضبط النفس. ودعت فرنسا كوريا الشمالية الى «وقف الاستفزازات»، مشيدة «بروح المسؤولية التي تحلت بها السلطات الكورية الجنوبية». أما الحلف الاطلسي (ناتو) فأعلن انه يتابع بانتباه تطورات الوضع «بقلق عميق». ورأت روسيا «خطراً عظيماً» في التصعيد الكوري. وقال وزير خارجيتها سيرغي لافروف: «من الضروري وقف كل الضربات فوراً. هناك خطر عظيم يجب تلافيه. التوتر في المنطقة يتصاعد ويمكن ان يتطور هذه المرة الى نزاع مفتوح، لذا نحتاج الى مشاورات عاجلة». لكن ليونيد سلوتسكي، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي، استبعد أن يؤدي الاشتباك المسلح إلى عمليات عسكرية واسعة بين الكوريتين. ودعا إلى عدم عزل كوريا الشمالية بالكامل، وسنحاول اجراء محادثات مع كوريا الشمالية لتجنب حصول حوادث من هذا النوع في المستقبل، على رغم الصعوبات في هذا المجال. وأشار إلى أن العلاقات بين موسكو وبيونغيانغ كانت بناءة دائمة، معتبراً أن الديبلوماسية الروسية أكثر فاعلية من مثيلاتها في العمل مع كوريا الشمالية. وفي طوكيو، أعلن كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيتو سينغوكو ان اطلاق كوريا الشمالية عشرات من قذائف المدفعية على جزيرة كورية جنوبية «لا يمكن التسامح معه». ودان حلف شمال الاطلسي «بشدة» القصف الكوري الشمالي لجزيرة كورية جنوبية كما اعلنت ناطقة باسمه الثلثاء. وقالت كارمن روميرو لوكالة فرانس برس ان «حلف الاطلسي يدين بشدة قصف جزيرة كورية جنوبية من قبل كوريا الشمالية والذي أوقع ضحايا». وأضافت الناطقة ان «الحلف يتابع بانتباه تطورات الوضع بقلق عميق».