تنظّم جامعة سيدني الأسترالية مؤتمراً عالمياً للكاتب اللبناني المهجري أمين الريحاني (1877 - 1938) تبدأ أعماله غداً (25 ت الأول/ أكتوبر) ويشترك في إحيائه خمسة عشر باحثاً أكاديمياً ممن تعمقوا في أدب الريحاني وعصره. وكانت نجمة حجار، مسؤولة قسم الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة، نشرت كتاباً في وقت سابق من هذا العام تناول الأفكار السياسية والنتاج الشعري لأمين الريحاني من منطلق الأيديولوجية الإنسانية التي آمن بها ومارسها. وتشارك حجار في المؤتمر بمحاضرة تعرض للمساهمة الثقافية والفكرية الواسعة التي تركها صاحب القول المأثور «قل كلمتك وامشِ». وفي رأي الباحثة أن الريحاني كان رائداً للتغيير الثوري القائم على نشر التعليم المعاصر والتمرد الثقافي المبني على العقل وحرية التعبير والديموقراطية العلمانية في السياسة والثقافة. ويتحدث البروفسور سافدار أحمد عن التشابه الفكري والوجداني بين الريحاني والفيلسوف والشاعر الهندي محمد إقبال. ولعل التلاقي بينهما كما يراه سافدار أحمد يكمن في اعتقادهما بأن الشرق هو خزان الحكمة القديمة والفلسفة والروحانيات. وأيضاً يلتقي الاثنان في اعتبار الإرث الروحاني للشرق عنصراً معدلاً للمادية الغربية ذات التأثير السلبي في الحضارة الإنسانية. ويقول سافدار أحمد انه غير مهتمّ فقط بمدى توافق الريحاني وإقبال في مجمل المواضيع المتعلقة بالاستعمار والتلاقح الثقافي في مطلع القرن العشرين، بل بكيفية تطويرهما فلسفة إنسانية أعادت وضع الشرق في تيار المدنية الحديثة. من جامعة ادلايد وجامعة دمشق يساهم سامر عكاش بمداخلة عنوانها «التنوير العربي بين التبحر العقلي والأحلام المثالية». يطرح عكاش أسئلة مترابطة حول مفاعيل النهضة العربية وتأثرها بالتنوير الأوروبي وما إذا كانت تلك النهضة عميقة أم سطحية، وما إذا كان بالإمكان اعتبارها «معاصرة مبكرة». ويذكر المحاضر أن أسئلته مطروحة في سياق البحوث السابقة التي تناولت عصري التنوير والنهضة العربيين. ويتطرق عكاش إلى تباين التأثر بالغرب لدى المسلمين النهضويين ورفاقهم المسيحيين العرب، فبينما رغب المسلمون باستلهام المعاصرة الغربية من دون القطع مع إرثهم التاريخي، أراد المسيحيون الانتفاض الكامل على الماضي باعتباره يتضمن الكثير من أسباب الانحطاط والتخلف. في وسط هؤلاء يقف الريحاني رؤيوياً مثالياً بذل قصارى جهده لتخطي الانقسام لدى الفريقين معتبراً ان الأخذ بالعقلانية وإهمال كل ما يأتي عليه الزمن يؤدي الى تحقيق قفزة نوعية في طريق التنوير. الباحثة الأكاديمية فاديا الشهري التي ترجمت مقاطع من «الريحانيات» إلى الإنكليزية ضمن دراستها الجامعية تركز على منهجية ترجمتها وأوردت مقارنة مع الترجمة العربية ل «كتاب خالد» كما أنجزها أسعد رزوق في بيروت عام 1986. من جامعة مانشيستر في بريطانيا يساهم البروفسور يوسف الشويري بمداخلة تناولت البوتقة الثقافية التي عاشها امين الريحاني بين الولاياتالمتحدة الأميركية والعالم العربي، فكان وسيطاً توفيقياً لمجتمعين احدهما قديم والآخر جديد. ويشير الشويري الى أن الريحاني تجاوز مسألة التوافق الى دعوة الانصهار بين الثقافات توصلاً إلى واقع معاصر للحضارات حيث تتنامى انسانية متناغمة في عناصرها المستقلة والمتكاملة، فالريحاني طالما أحس بانتماء حقيقي إلى تراثه العربي بما فيه بعده الإسلامي، بقدر ما وجد نفسه متآلفاً مع تنوع الثقافة الغربية. ولهذه الأسباب يمكن اعتبار أفكاره راهنة اليوم أكثر من أي وقت مضى. من الجامعة الاميركية في بيروت تتصدى نوار معلاوي دياب لفكرة التسامح الديني لدى الريحاني، فعلى رغم نقده القاسي للتدين ورجال الدين لم يكن الريحاني ملحداً، بل كان مؤمناً حقيقاً بالله. ولو أن إيمانه غير مسلكي، فبالنسبة إليه ليس الله مخيفاً، ساخطاً أو منتقماً، إنما رآه طيباً، حنوناً ورحوماً. ورآه واحداً وكل الديانات تقود اليه، ولذا ما من سبب يدعو الأديان والمذاهب للتقاتل حول طرق عبادته. وتقول الباحثة ان الريحاني حضّ الناس على غض الطرف عما يقوله رجال الدين والتأمل في الطبيعة ومخلوقات الله والقوانين التي تحكم توازن الكون. عن «كتاب خالد» يتحدث البروفسور تود فاين متطرقاً إلى الرسالة ذات البعد الإنساني كما عبّر عنها امين الريحاني في كتابه الأثير. ويذكر فاين ان الانقطاع التاريخي الذي وقع بعد انفجار أيلول عام 2001 ترك سؤالاً واضحاً وملحاً لدى الأميركيين: لماذا نحن؟ يأتي هذا السؤال من صميم الصدمة الناتجة عن عدم تصديق الأميركيين ان هناك من يكرههم بسبب السياسة الخارجية التي اتبعتها ادارتهم. بل يتوقعون ان يحبهم العالم لأن نسيجهم البشري يحتوي خيطاً من كل ثوب. ويرى فاين ان إعادة رأب الصدع والعودة الى العلاقة العربية - الأميركية كما رآها وعاشها الريحاني وصحبه ستكون صعبة، مع ذلك فإن «كتاب خالد» يصلح اليوم جسراً ثقافياً لاستعادة مكونات علاقة عربية - اميركية يجدر تفحصها في ضوء جديد ومن منظور التاريخ الراهن. الأستاذ المساعد فراسيداس كاراليس عضو قسم الدراسات اليونانية في جامعة سيدني يتطرق الى آراء الريحاني في الإبداع الأدبي خصوصاً في مجال التلاقح الموضوعي وصهر الحقائق والتجارب في مخاضة فنية واحدة. ويعتبر كاراليس ان الريحاني رائد في مجال التنوع التعبيري المؤدي إلى مناخات مبتكرة وهو يقيم، لذلك، مقارنة منهجية بين الريحاني وطاغور في أسلوبهما الناجع للتواصل مع المعاصرة الأميركية والأوروبية. من جامعة عمان الأردنية يتناول البروفسور علي محافظة المختص بالتاريخ العربي نظرة الريحاني الى الانتماء العربي مؤكداً ان الريحاني رأى في القومية الناهضة هدفاً لتحقيق واقع يضع حداً للتدخل الأجنبي والانقسامات الداخلية. من جهة اخرى ركز البروفسور ناجي عويجان من جامعة سيدة اللويزة على الريحاني الشاعر الذي رأى ان مهمته اضافة تغيير عضوي على نمو الفن الشعري من طريق تمرده على الموروث فكان طرحه سابقاً لعصره وللثورة الشعرية التي استمرت بعد رحيله. أما أمين آلبرت الريحاني، أستاذ دراسات الأدب العربي - الأميركي في القرن العشرين، فيتحدث عن «الريحانيات» من منطلقات ثلاث: الأعمال السابقة واللاحقة، ردات الفعل والتعليقات خلال القرن الماضي، والعلاقة بين الريحانيات و «كتاب خالد» مع العلم انهما صدرا في وقت واحد تقريباً.