لم تستطع أشجار منى التقوي على قوة تساقط الأمطار عليها مرتين خلال موسم الحج، ولا «فرامل» المركبات المتوقفة على جنبات طرقاتها الإمساك بها، إذ دوّت صافرات الإنذار هنا وهناك، وهاج الجميع وماج عقب انهمار السماء على رؤوس قاطني منى (الموقتين) بالأمطار. وبين مستبشر بها ومتضرر، كانت القواسم المشتركة أكفاً تتضرع إلى من خفف عن ضيوف الرحمن في منى شدة الحر وتلطيف الجو، سبق ذلك تعطل في حركة الحجيج مدة لا تقل عن الساعة، متوارين داخل خيامهم، ومتلبدين بحماها من شدة ما جادت به سماؤها التي فتحت أبوابها الماطرة. وفيما هلل وكبر نيف من الناس فرحاً بهطول المطر خلال أكبر الشعائر الدينية، كانت قلوب جانب كبير من مشاهدي حج هذا العام تخفق مع كل خطفة برق تغمض الأعين إجباراً، وصوت رعد يصم الآذان غصباً. وفي المقابل، جابه مئات الآلاف من المفترشين بجوار المخيمات وجنبات الطرقات الأمرين، إذ صاحب انهمار المطر المتدفق بشدة صرخات الأطفال وصخب النساء وأنين العجزة، واستغاثة الضعفاء، لعل وعسى أن يجدوا مأوى يحميهم من تساقط الماء الذي بلل ثيابهم ولحفهم ولم يجد صاداً له من التغلغل إلى مقتنياتهم التي فتك بها وأحدث خسائر فيها. ولم يتوقف المشهد الضرري عند هذا الحد، بل كان للراجلين من المتعجلين غير النظاميين الذين أدركهم المطر وهم في طريقهم إلى طواف الوداع في بيت الله الحرام نصيب العناء الأوفر، خصوصاً تلك الحشود المصطفة من منى حتى الحرم إذ لا سقف يكفيهم ماء السماء، ولا غطاء يقيهم صقيع البرد. وفي الحرم الشريف، رفض الطائفون حول الكعبة المشرفة الخنوع لأمر المطر، بل ازدادت لديهم الرغبة في المواصلة، مغتسلين بالماء الملامس لأستار أعظم بيت وضع للناس، معتبرين ما صادفهم أمراً لا يتكرر لذا تواصل فعلهم، وظل من لم يستطع البقاء تحت تقاطر الماء متمعناً من بعيد صحن الطواف وما يدور فيه.