تحوّل المشهد المصري، مع بدء العد التنازلي لانطلاق الانتخابات البرلمانية، إلى مسرح تُستعرض فيه مكامن القوة لمختلف التيارات السياسية المتبارية على مقاعد مجلس الشعب (البرلمان) المقبل. ويأتي هذا الصراع بين المتطلعين إلى «الحصانة النيابية»، في وقت لا يخفي كثيرون من المصريين رغبتهم الشديدة في أداءٍ برلماني يعود عليهم بالهناء المعيشي بعد سنوات من التقشف، بيد أنهم لا ينسون مساهمة البرلمان السابق، في شكل رسمي، في ارتفاع الأسعار عندما أقر في أيار (مايو) العام 2008 تعديلات في أسعار المحروقات والسجائر، الأمر الذي تبعه سباق لا يزال مستمراً بين التجار على رفع أسعار السلع والمنتجات الأساسية للأسر المصرية. وشن الحزب الوطني الديموقراطي (الحاكم) أمس هجوماً غير مسبوق على الإدارة الأميركية وهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، كما توعد بالوقوف بحزم ضد منتقدي رفض الحكومة المصرية السماح بالرقابة الدولية على الانتخابات. ووجّه الحزب الوطني سهام نقده إلى «بي بي سي» متهماً إياها بعدم الموضوعية في تغطية انتخابات مجلس الشعب المقررة في 28 الشهر الجاري، وتجاهلها عرض وجهات النظر المختلفة. في حين استنكر الحزب الحاكم عبر موقعه الإلكتروني محاولات بعض مسؤولي الإدارة الأميركية «التدخل في الشأن الداخلي المصري»، مجدداً رفضه التصريحات الأميركية الأخيرة في شأن الرقابة الدولية على الانتخابات البرلمانية. ويأتي ذلك في الوقت الذي اشتعل فيه الصراع بين الحزب الوطني وجماعة «الإخوان المسلمين»، إذ انتقد الموقع الرسمي للحزب ما اعتبره «تسوّل» مرشحي جماعة الإخوان «المحظورة» لأصوات أنصار مرشحي «الوطني» في المحافظات، لكن جماعة «الإخوان»، التي تُعد أبرز فصيل معارض في مصر، ردت بتأكيد أن محاولات تجري على الأرض لمنع مرشحيها من التواصل مع الناخبين. واتهمت السلطة بعرقلة مسيرة مرشحيها، معتبرة أن الإجراءات ضدهم تؤكد أن «النية مبيّتة لاقصاء الإخوان من المشهد البرلماني»، لكنها شددت في الوقت ذاته على قدرتها على تحدي الصعاب. ميدانياً، اندلعت اشتباكات بين الشرطة وأنصار لمرشحي جماعة «الإخوان» في مدينتي المحلة الكبرىوالمنصورة (دلتا النيل) على خلفية تفريق الشرطة مسيرات دعائية لمرشحي «الإخوان» في المدينتين سعد الحسيني وعبدالمحسن قمحاوي. واشتعلت المواجهات في مدينة المنصورة بين أفراد الشرطة وعناصر «الإخوان» عندما حاولت أجهزة الأمن تفريق مسيرة دعائية لمرشح الجماعة في دائرة طلخا عبدالمحسن قمحاوي، الأمر الذي أدى إلى سقوط نحو 20 جريحاً بينهم أفراد في الشرطة، في حين اعتقلت أجهزة الأمن 11 آخرين وصادرت حافلة ركاب. وإذ أكدت مصادر أمنية ل «الحياة» أن المناصرين لمرشح «الإخوان» بدأوا بالعنف وإلقاء الحجارة على أفراد الشرطة، مشيرة إلى أن نحو خمسة من الجنود أصيبوا، اتهمت جماعة «الإخوان» أجهزة الأمن باستخدام الرصاص المطاطي لتفريق الناس، الأمر الذي أدى إلى سقوط 15 جريحاً. وقالت مصادر أمنية إن الموقوفين سيتم إحالتهم على النيابة للتحقيق معهم بتهمة «أعمال الشغب ومقاومة السلطات إضافة إلى الانضمام إلى جماعة محظورة ومحاولة الترويج لأفكار تلك الجماعة بما يهدد الأمن والسلم العامين»، وأوضحت أن أجهزة الأمن حاولت في بادئ الأمر تأمين مسيرة دعائية لمرشح الإخوان قبل أن تحذّر القائمين عليها بضرورة التزام معايير الأمان. وأكدت أن قيادات أمنية وجّهت تحذيرات عدة إلى القائمين على المسيرة التي ضمّت ما يقارب خمسة آلاف شخص بضرورة تفريق الناس، قبل أن يبدأ المحتشدون إلقاء الحجارة والعصي على أفراد الشرطة الأمر الذي دعا إلى التدخل. وكشف محامي الإخوان عبدالمنعم عبدالمقصود أن اثنين من المرشحين الاحتياطيين في دائرة طلخا وهما جمال بيومي وأحمد الخضري إضافة إلى عضو الكتلة البرلمانية للجماعة النائب محمد عبدالباقي تم توقيفهم ضمن 11 معتقلاً آخرين. وفي مدينة المحلة الكبرى تكررت أعمال العنف بين الشرطة ومناصري مرشح «الإخوان» عضو مكتب الإرشاد النائب سعد الحسيني، واعتقلت أجهزة الأمن نحو 40 من عناصر الإخوان. وإذ أكدت مصادر أمنية أن الشرطة سمحت خلال اليومين الماضيين للنائب الحسيني بجولات ومسيرات انتخابية وأشارت إلى التزام الشرطة تأمين المواطنين وهو ما لا يلتزم به عناصر جماعة «الإخوان» خلال المسيرات الانتخابية، أكد الحسيني ل «الحياة» أن أجهزة الأمن منعته أمس من التواصل مع الجماهير، متهماً السلطة ب «التضييق على مرشحي الإخوان لمصلحة منافسيهم»، منبهاً إلى أن تلك الإجراءات تسيء إلى سمعة مصر في الخارج وتدل على أن النية مبيتة لإقصاء الإخوان في الانتخابات المقبلة، ولفت إلى أن الشرطة اعتقلت نحو 40 من أنصاره. وأوضح محامي الإخوان أن أجهزة الأمن شنت حملات توقيف متزامنة طاولت 77 من عناصر الجماعة في 5 محافظات إقليمية. وفي موازاة ذلك، أعلن الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف أن الحزب بدأ تحركاً واسعاً لحملته الانتخابية لخوض انتخابات مجلس الشعب، بعدما استقرت أوضاع مرشحيه وانتهى عدد من المواجهات القانونية التي قام بها المرشحون، مؤكداً أن الحزب يتحرك في إطار الضوابط التي حددتها اللجنة العليا للانتخابات. وفقد الحزب الوطني خمسة من المقاعد دفعة واحدة بعد وفاة القيادي في الحزب الوطني ومرشحه في دائرة الباجور كمال الشاذلي إضافة إلى 4 مقاعد أخرى في محافظة كفر الشيخ لم يتمكن الحزب الوطني من إثبات صفة «العامل» على مرشحيه فيها. وقال الشريف في حديث أبرزته وكالة أنباء الشرق الأوسط «أن قياداتنا وكوادرنا الحزبية على المستويات التنظيمية كافة، وفي إطار خطة التحرك التي أقرتها هيئة المكتب وصدرت بها تكليفات لأمانة التنظيم، تتابع الموقف لحظة بلحظة من خلال غرف العمليات المركزية، وعلى مستوى أمانات المحافظات والمراكز والأقسام وصولاً إلى الوحدات الحزبية». وأضاف أن «حملة الحزب الوطني تدعو وتسعى إلى أوسع مشاركة من المواطنين للإدلاء بأصواتهم باعتبار أن ذلك يمثل إعلاناً عن ثقتهم في أنهم أصحاب الحق الأصيل في الاختيار، وفي الوقت نفسه يعتبر ذلك رداً على مدّعي الوصاية على إرادة الناخبين من خارج مصر»، مؤكداً رفض مصر التدخل في شؤونها الداخلية. واعتبر الأمين العام للحزب الحاكم أن مشاركة أكثر من خمسة آلاف مرشح من مختلف الأحزاب في انتخابات مجلس الشعب المقبلة يمثّل «دلالة كبيرة على ثقة الشعب في أن التطور الديموقراطي الذي تشهده مصر وثقافة المشاركة تزداد عمقاً واتساعاً لدى المواطنين»، مشيراً إلى أن الحزب «يثق ويرحب بمتابعة مؤسسات المجتمع المدني المصري، ووسائل الإعلام المصرية والعربية والأجنبية لمتابعة الانتخابات». وأضاف أن الحزب «يطالب أولئك الذين يتدخلون في الشأن الداخلي بأن يقيموا من أنفسهم ويبحثوا في داخلهم عن إهدارهم حقوق الإنسان بواسطة أبنائهم وما قاموا به من انتهاك لحقوق الإنسان في دول الغزو والاحتلال»، موضحاً أن الحزب الوطني «يعتمد في تحركه على الوفاء بما التزم به من تعهدات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وبالتزام واضح وبرنامج محدد على المستوى الوطني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلى المستوى المحلي لكل دائرة يبحث للناس قضاياهم ويضع الحلول لمشاكلهم». في غضون ذلك، أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات قبول أوراق المرشحين الذين يمتلكون أحكاماً قضائية تلزم وضع أسمائهم ضمن المرشحين في انتخابات مجلس الشعب المقبلة، لكن جماعة «الإخوان» انتقدت في شدة استبعاد خمسة من مرشحيها رغم امتلاكهم أحكاماً قضائية. وأوضحت اللجنة أن القرار السابق إصداره عنها والذي يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالترشح لانتخابات مجلس الشعب المقبلة، إنما يتعلق بالأحكام الصادرة عن محاكم القضاء الإداري بمجلس الدولة، طعناً على قرارات لجان فحص طلبات الترشح سواء بعدم قبول أوراق ترشح البعض، أو التضرر من قبول أوراق آخرين، أو تعديل الصفة الانتخابية للمرشح.