حين ابتكر فريق عمل كريغ فانتر جينوم الفيروس «فاي أكس 174»، أوكِلَت مهمّة تحليل التفاعلات بين الجينومات المُركّبَة اصطناعيّاً إلى قطاعي الأمن القومي والصحة العامة. وسرعان ما حذّر تقرير صاغه القطاعان، من وجود مشكلتين تعيقان السيطرة المناسبة على المجال العلمي الجديد. وتكمن المشكلة الأولى في كون العمل على علم الأحياء المركبّة، هو رخيص وسهل إلى حدّ أنّ بعض ممارسيه لم يعودوا من علماء البيولوجيا. ويعني ذلك غياب فرضيات مشتركة متعلقة بأخلاقيات المجال العلمي الجديد، والمعايير المتّصلة بالمهنية والسلامة فيه. وتتجسّد المشكلة الثانية في أنّ المعايير المعتمدة في وكالات حكومية في الولايات المتحدّة ودول نامية أخرى، باتت قديمة. وبكلام آخر، لم يجر تحديث تلك المعايير الحسّاسة منذ مدّة طويلة، وهي غير معروفة من قِبَل عدد كبير من الممارسين الشبّان، إضافة إلى أنها لم تُعدّ أصلاً كي تتلاءم مع علوم ال «سين بيو». وتوقع أعضاء فريق عمل فانتر أن يزداد الاهتمام في هذا المجال، مع تواصل انخفاض تكاليف علم الأحياء المركب. ولفتوا إلى أنّ المخاوف الأخلاقية والعملية هي التي ستحتلّ الواجهة مستقبلاً. وسرعان ما «تفاجأ» أعضاء فريق العمل المذكور بمدى صوابية توقّعاتهم. من الطبيعي إلى المرضي و... بالعكس! إلى جانب الإنجازات التي تحقّقت في مجال البيولوجيا الاصطناعيّة في مجال التراكيب الجينية المستجدة، برزت مشكلة من نوع جديد من البحوث يحمل اسم «اكتساب الوظائف» Gain of Function، واختصاراً «غوف» GOF. (أنظر «الحياة» في 25 نيسان- أبريل 2014). ويشير مصطلح «غوف» إلى القدرة على نقل قدرات بيولوجيّة معيّنة من كائن إلى آخر. مثلاً، هناك بكتيريا تقاوم مُضادّات الحيويّة. إذا جرى التعرّف إلى الجينات التي تعطيها هذه القدرة، يصبح مستطاعاً نقل التركيبة الجينيّة المتّصلة بمقاومة المُضادات إلى جراثيم أخرى! وبسرعة، أفسح مجال الجينومات المركبة المجال أمام مجموعة كبيرة من الإمكانات والتحديات، بل فرض مخاطر جديّة على الأمن القومي للدول كافة، خصوصاً الولاياتالمتحدة. وبدأ المجتمع العلمي في نقاش مسألة صنع الميكروبات وإكسابها وظائف معيّنة، على يد البشر. وشمل النقاش ميزات التجارب التي تعطي الجراثيم الحميدة قوى تجعلها قادرة على إحداث مرض. في المقابل، لا يزال النقاش الإرهاب البيولوجي والأمن البيولوجي متأخراً، بل إنه غارق في مفاهيم قديمة مرتبطة بأهمية المخاطر وبأفضل الطُرُق في مواجهتها. وفي الولايات المتحدّة، حاول الكونغرس والحكومة الاستعداد والتأهّب، عبر إنشاء لوائح محدّدة تشمل السموم والميكروبات المعروفة المتصلة بالأمراض، وكذلك استحداث إجراءات لمراقبتها ومواجهتها. ويشار إلى أنّ الحكومات الأجنبية والمؤسسات المتعدّدة الأطراف، على غرار الأمم المتحدّة ومعاهدة الأسلحة البيولوجية، هي أشد بطئاً من حال الولاياتالمتحدة. وبالاختصار، تتركّز إجراءات السيطرة حاضراً على الكائنات المعروفة، وتتعامل معها عبر ما تعرفه عن تفاصيل حياتها وسلوكياتها. ولكن، في عالم البيولوجيا المستجّد، صار بوسع العلماء صنع تراكيب حيّة بأنفسهم، ما يعني أنهم يعرفونها من الداخل. ووفق كلمات كريغ فانتر: «يعني ذلك أنه حين نتعلّم قواعد الحياة، نتمكّن من تطوير نُظُم مؤتمتة تستطيع أن تتعلّم من تجربتها الذاتية. إنها بداية عهد جديد للتعلّم السريع. وتبدو هذه الوسائل التكنولوجية قادرة على تبديل مناحي الحياة البشرية كلها في المستقبل».