على الحصير المصنوع من أعواد البلاستيك وألواح خشبية من مخلفات عبوات المساعدات التي تلقيها عليهم الطائرات من الجو، وداخل حجرات مصنوعة من بعض الطوب وبقايا خيام ممزقة، بدأ أطفال سوريون لاجئون في مخيم الركبان في الأردن تلقي دروسهم في 3 مدارس مع بداية الفصل الثاني من السنة الدراسية الحالية. المعلمون شبان متطوعون حاصلون على شهادات جامعية في مختلف التخصصات، لم يرق لهم أن يروا أبناء وطنهم وبلداتهم تضيع عليهم سنوات طفولتهم من دون أن يتمكنوا من «فك الخط»، بخاصة أنهم يعلمون جيداً أن «التعليم في الصغر كالنقش في الحجر»، فيما من المؤكد أن لجوءهم الذي مضى عليه أكثر من عامين، وهم عالقون في المخيم الذي يقع في المنطقة الحدودية الفاصلة بين الأردن وسورية، سيطول إلى أمد غير معروف، في ظل نتائج الاقتتال الميداني على الأرض، والظروف والمعادلات الدولية الراهنة. لم يشأ هؤلاء الجامعيون، سواء من يحمل خبرة منهم أم من لم يسبق له التدريس، لأطفال المخيم الغرق في الجهل وفكر الكتاتيب «الداعشية» التي ظهرت في المخيم، فقرروا أن ينقذوهم بمبادرة أطلقوا عليها تسمية «فريق العمل من أجل التغيير» لبناء مدارس، بخاصة أن المخيم الذي لا تشرف على شؤونه أي جهة إغاثية دولية، غير معترف به دولياً كمخيم لجوء، وبما يعني ذلك من توفير خدمات الصحة والتعليم لسكانه. وبجهود شخصية من هؤلاء الشبان وبمساعدة العديد من سكان المخيم، تمكنوا من بناء 3 مدارس، من الطوب المصنوع من الطين المخلوط بالقش «اللبن»، ومن أقمشة بعض الخيام التي خرجت عن الخدمة لدى بعض اللاجئين بسبب تمزقها من الرياح الشديدة التي تعصف بهذة المنطقة الصحراوية، إذ أصبحت تضم كل مدرسة صفوفاً مجمعة داخل خيمة واحدة. وتضم هذة المدارس الثلاث التي أطلق عليها اللاجئون أسماء مدرسة الخالدي ومدرسة النجاة ومدرسة التدمري، أكثر من 300 طفل، جلهم في المرحلة الابتدائية. ويعكف المعلمون الذين لا يتجاوز عددهم 15 معلماً، على تدريس هؤلاء الطلبة المنهاج السوري الذي يدرس في مدارس المناطق، التي ما زال يسيطر عليها النظام السوري، بيد أنه «تم نزع كل الدروس التي تتعلق بأفكار النظام البعثي ومبادئه»، وفق ما يؤكد عدد من معلمي هذة المدارس ل «الحياة». ويقول أحد معلمي هذة المدارس أحمد عبالله نزال في اتصال هاتفي إن «أهم ما دفعنا إلى بناء هذه المدارس، هو إنقاذ أطفال المخيم من كتاتيب الفكر الضلالي والإرهابي، التي بدأت تظهر في المخيم، في غياب المدارس التي تدرس العلوم والفكر الديني المتنور». وأشار إلى أن كلفة هذه المدارس التي تم بناؤها وإن كانت قليلة، إلا أنها ليست بسيطة على سكان لا يملكون من حطام الدنيا إلا الشيء اليسير، بسبب مغادرتهم الاضطرارية بلداتهم هرباً من «داعش» التي سيطرت عليها، بعد قتال مع فصائل «الجيش الحر» وقوات الأسد. وأوضح أن سكان المخيم الذين ينتمون إلى عشائر بدوية في ثلاث مناطق من شرق سورية هي تدمر والقريتين والسخنة، هربوا رفضاً لفكر «داعش»، وهم يتساعدون الآن لإبقاء فكرة هذة المدارس مستمرة، وإبعاد أطفالهم عن كتاتيب «داعش». ويؤكد المعلم أحمد الجابر أنه وزملاؤه يدرسون في هذه المدارس صباحاً بالمجان، ثم يلتحقون بأعمالهم المختلفة والشاقة بعد ذلك لكي يتمكنوا من جمع «ليرات» قليلة يستطيعون من خلالها الإنفاق على أسرهم. ويشير إلى أن العديد منهم يعمل بائع خضر أو سلع غذائية متجول، أو في مجال جمع الحطب والأعشاب التي تعتبر الوقود الأكثر استخداماً للطهو والتدفئة. ويقيم في المخيم الذي يقع في منطقة صحراوية قاحلة وشديدة البرودة عند الحدود الأردنية - السورية، أكثر من 75 ألف سوري. وكانت أراضي المخيم تعتبر منطقة تجمع للاجئين السوريين للعبور إلى الاراضي الأردنية، بعد التدقيق في خلفياتهم الأمنية من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية، بسبب قدومهم من مناطق «داعش»، بيد أن تفجيراً انتحارياً من قبل أحد عناصر «داعش» في معبر المخيم إلى الأراضي الأردنية قبل أكثر من عام راح ضحيته 7 شهداء من قوات حرس الحدود الأردنية، دفع الأردن إلى إغلاق هذا المعبر، ما أبقى اللاجئين عالقين في هذه المنطقة التي أصبحت مخيماً.