يمكن القول ان قرارات قمة العشرين في سيول كانت شبه توصيات عامة، إذ يظهر بوضوح ان العالم بات يلاحق تطورات تحدث في الغالب خارج سيطرته، إما بسبب انعدام الشفافية أو لغياب المعالجات الجدية للمشاكل القائمة. وجدد قادة دول العشرين التزامهم بالعمل معاً لإنعاش الاقتصاد العالمي، لكن من دون تحقيق تقدم فعلي بسبب رفض الصين والولايات المتحدة أي إجراء يمكن ان يضر بنموهما، ما دفع المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان إلى دعوة دول مجموعة العشرين إلى تعلم كيفية التعاون في ما بينها. جاءت أزمة الديون المتفاقمة لإرلندا لتفجر قضية جديدة أمام الاتحاد الأوروبي بعد أزمتي ديون اليونان والبرتغال، إذ تعاني إرلندا من مشاكل مالية متفاقمة، وتوقعت حكومتها أن يصل عجز موازنتها إلى 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010، وهو أعلى ب 10 أضعاف من الحد الأقصى الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء وأكثر بثلاثة أضعاف من العجز في الموازنة اليونانية. وهكذا نلاحظ ان سبحة الديون السيادية في الاتحاد الأوروبي آخذة بالانفراط، ما يهدد النمو الاقتصادي ليس في أوروبا فحسب، بل وفي العالم أجمع. وإن كان العالم يعتقد أنه فعل كل ما يستطيع فعله لإنعاش الاقتصاد العالمي، وبات عليه التفرغ أكثر لإصلاح النظام المالي. ويبرز في هذا السياق تعهد قمة العشرين بمواصلة تنفيذ معايير «بازل 3» بالكامل، غير أن أزمة إرلندا وقبلها أزمتا البرتغال واليونان، والخلاف الأميركي - الصيني على تقويم العملة الصينية، وغيرها من القضايا. هذه المسائل كلها تدفعنا اليوم إلى التأكيد على أننا في حاجة إلى نظرة ثاقبة لقضايانا الاقتصادية والمالية، وربما أيضاً في حاجة لأن تتبنى دول كثيرة معايير مشابهة ل «بازل 3» أكثر من المؤسسات المالية ذاتها. وسواء كان الحديث يتناول الدول الغارقة في المديونية أو المؤسسات المالية الغارقة في المديونية، فالدروس التي يمكن تعلمها هي واحدة، ومفادها ان ثمة معضلة في تمويل النمو من طريق الإفراط في الاقتراض والاعتماد على الموارد الخارجية. كذلك بات يربط أزمة الديون السيادية لبعض دول الاتحاد الأوروبي وأزمة المؤسسات المالية رباط وشيج، ومن هنا لا يمكن فصل الأزمتين عن بعضهما بعضاً في حال أردنا النظر في جدية أكبر في قضايانا المالية والاقتصادية. ووفقاً لتصريح أحد مسؤولي صندوق النقد الدولي، سلط اضطراب أسواق الديون السيادية في أوروبا أضواء على مكامن الضعف في الموازنات العامة للمصارف والحكومات على حد سواء، وجاء بمثابة تذكير قاس، ليس فقط في شأن الروابط الوثيقة القائمة بينهما فحسب، بل أيضاً في شأن الانعكاسات المحتملة لهذا الاضطراب عبر الحدود. وفي حين لا تزال أزمة الديون السيادية تتفاقم في دولة تلو أخرى، نلاحظ ان المصارف المتعثرة حققت إنجازاً مهماً تمثل في مبادرتها إلى شطب ثلاثة أرباع خسائرها وتغطيتها، أي ما يصل إلى نحو 1.75 تريليون دولار، إضافة إلى ارتفاع متوسط معدلات رسملة القطاع المصرفي العالمي إلى ما يزيد على 10 في المئة نهاية العام الماضي، مع توقع استمرار التحسن التدريجي في الموازنات العامة للمصارف بفضل استمرار الانتعاش الاقتصادي. وأظهرت تقديرات محدثة لصندوق النقد استمرار التوقعات بوصول نصيب المصارف الأميركية إلى 40 في المئة من خسائر الأزمة، تتبعها مصارف منطقة اليورو ب 30 في المئة، ثم المصارف البريطانية التي تقترب حصتها من 20 في المئة، بينما يتوزع الرصيد على مصارف سويسرا والبلدان الاسكندنافية وبدرجة أقل المصارف الآسيوية، إضافة إلى أستراليا ونيوزيلندا. لذلك، فإن تقليص الأخطار التي تهدد استقرار النظام المالي العالمي، خصوصاً الآثار الخطيرة لصدمات انعدام الثقة في المصارف والديون السيادية، يتطلب من المصارف في عدد من البلدان تعزيز رؤوس أموالها وتحسين جودتها، مثلما يتطلب من الدول تحسين كفاية استخدام مواردها المالية والاقتصادية ورفعها. * رئيس «اتحاد المصارف العربية»