أعطى سماحة المفتي درساً للتعامل مع الإعلام في حديثه الأخير عن المعلقين على فتوى عمل المرأة «كاشيرة» في الأسواق، على رغم أنه يحمل «هالة دينية» تسبغ على أقواله الكثير من التقدير والاحترام، ومع ذلك فهو دعا بالهداية للإعلاميين أولاً، ومن ثم قال إنهم لا يدركون بعض الأمور، وهو هنا وضح الأمر من وجهة نظره من دون أن يتهم الصحافيين بأنهم «شياطين»، أو يهاجمهم في خطبة الجمعة بالحرم المكي، كما فعل البعض. والواضح أن هناك من يوجهون أسئلة للعلماء بغية جرهم باتجاه معين معاكس، لكن سماحة المفتي رد بإيجاز وإقناع، بل وصف المنتقدين - جزاه الله خيراً - ب «أبنائي»، فلم يتبنَ موقفاً مضاداً ،أو يُشعر المستمعين بأن هناك «فسطاطين»، بل أسبغ على الأمر «مظلة النقاش» وتقبل الرأي الآخر ومحاورته، وهو نهج نبوي اتبعه سيد المرسلين «صلى الله علىه وسلم». تحدثت في السابق عن الفتوى، وطرحت تساؤلات عدة لا تزال تدور في مخيلتي، وأتمنى أن ألتقي سماحة المفتي لأحصل على إجابات عن أسئلة لا تزال تحيرني، وأثق أنني سأنال مبتغاي، لأن الشيخ سيسمع وسيجيب من دون تحسس، أو تضاد، أو تشنج يجب ألا يكون عليه ممن هو في مكانه وموقعه، وهي ميزة ربما يفتقدها الكثيرون ممن لا يعون جيداً موقعهم من المجتمع ومرجعيتهم الدينية، التي تستوجب عليهم كثيراً الاستماع والنقاش مع المختلفين ومخاطبتهم بالأسلوب الحسن. بعض أهل العلم يتعاملون ب «فظاظة» مع المختلفين معهم، فيلقون عليهم التهم تباعاً وتكراراً، وهو نهج شاهدناه على مدى عشرات السنين، وأدخلنا إلى حمى «التصنيفات» من دون ورع ما بين علماني وصوفي وليبرالي ومحارب للدين وكاره لأهل العلم، إلى آخره من الأحزاب، التي اخترعها أهل «القلوب الغليظة» حتى أنفض الناس من حولهم، فلم تصل «رسالتهم» ولم يحققوا مبتغاهم، بل حصلوا على نتائج «عكسية» كان لها آثار سلبية على مدى «أعوام»، وربما ستستمر أكثر، وفي الوقت ذاته أصبح الناس «كارهين» لما يتحدثون عنه من «أفكار». وبين تعامل سماحة المفتي، الذي يتحدث عن أمور «دينية» تحتمل الكثير من «الحساسية» في نقاشها، أو الحديث حولها، وبين مسؤولين في إدارات حكومية يتعاطون مع مسائل «خدمية» نقاشها «واجب»... فرق كبير وشاسع، بل إن البعض من مسؤولي الجهات الحكومية يُشعرك بأن عمله «مقدس» لا ينبغي الحديث عنه بأي أمر سلبي، حتى تشعر أنك إن انتقدته خرجت من «الملة»، وربما ستخلد في نار جهنم، لأنك اقترفت كبيرة من الكبائر حين وجهت الانتقاد لأعماله «المقدسة». [email protected]