لا يرى أهالي نجران في البُر مجرد غذاء يأكلونه، فهو «أيقونة» لمحاصيل الزراعية في هذه المنطقة، الحاضر الأبرز على موائد سكانها، جنباً إلى جنب مع الحمضيات وتمر الخلاص، وكذلك العنصر المهم في مقادير المأكولات والأطباق. وما أن يحل فصل الشتاء حتى يتبادر موسم البُر إلى أذهان المزارعين على ضفاف وادي نجران في المدينة، أو في حبونا، وبدر الجنوب وبقية المحافظات الشمالية التابعة لنجران. ويعود تاريخ زراعة البُر في المنطقة إلى عصور قديمة، وكانت التربة الزراعية الخصبة، والمناخ المعتدل، والمياه الوفيرة (الأمطار والآبار) من العوامل الرئيسة للمقومات الزراعية، إضافة إلى الأهمية الجغرافية التي حققتها نجران، باعتبارها واحدة من أهم واحات ومدن القوافل على طريق البخور القديم، وظلت المنطقة على مميزاتها المناخية والجغرافية إلى اليوم، وما زال أهلها يهتمون في الجانب الزراعي وإنتاج المحاصيل. واستمر البُر قريناً لفصل الشتاء في المنطقة، سواءً من خلال الزراعة بوصف هذا الفصل هو موعد بذر البُر وريّه، وكذلك باعتباره القاسم المشترك في الوجبات، وتعد أطباق: وِفْد السمن والعسل، ووِفْد السمن والمَحَض، ووِفْد السمن والرُبّ، والحريكة بالطماطم، والمرضوفة، من الأطباق الشتوية الشهيرة في نجران، ويحتل البُر العنصر الرئيس فيها جميعاً. وفي قائمة أنواع البُر في المملكة، يظل بُر نجران الذي يسمى ب«السمراء» الأغلى على مستوى حبوب البُر، والمتميز بجودته، وبعدم اضافة أي مواد كيماوية في مراحل زراعته، ويبلغ متوسط سعر الكيس من البُر النجراني 300 ريال، بينما متوسط الأنواع الأخرى 120 ريالاً للكيس. ويُفضل أهالي نجران بُر السمراء على بقية الأنواع، ويشتريه البعض هدية إلى مناطق المملكة الأخرى أو دول الخليج، وذلك بسبب جودته العالية، جنباً إلى جنب مع تمر خلاص نجران، إذ يشكل هذان المحصولان ثنائية الإنتاج الزراعي الفاخر، برفقة أنواع الحمضيات التي تشتهر بها المنطقة. ويعزو مزارعو نجران جودة المحصول إلى حراثة الأرض بشكل جيد وتركها عشرة أيام تقريباً دونما بذر الحبوب في الحقل، ليتم تشميس التربة فترة كافية حرصاً على إزالة الأعشاب الضارة، بعدها يتم ريّ الأرض وسقايتها بشكل جيد لضمان عدم ليونة حبوب القمح، لأن إهمال الري يؤدي لهشاشة الحبات. ويحل موعد الحصاد في بداية فصل الصيف، ويستذكر المزارعون طقوس قديمة التي لم تعد موجودة اليوم، مثل اجتماع الأهل والجيران والأقارب في الموسم، ومشاركتهم جميعاً في العملية، وهم يرددون أناشيد وأهازيج تُعنى بحصاد البُر، غالباً ما كانت تحوي حمد الله والثناء عليه والشكر على نعمة المحصول، باعثين في أنفسهم وفي المكان روح التفاؤل والسعادة. وتنتشر في شوارع نجران وجهاتها محال بيع البُر، فلا يمكن أن يخلو حي من أحد المحال الاختصاصية، بعضها يفضل أن لا يبيع سوى البُر حبوباً أو طحيناً، وبعضها الآخر يعرض البُر مع أصناف القهوة والتمر والمكسرات، لكنهم يشتركون جميعاً في المصدر، ويقومون بشراء محاصيل البُر جُملة من أصحاب المزارع في نجران، ويأخذون أنواعه كلها، سواء السمراء أو الزراعي أو الصما، والتي جميعها تغذي السوق وتلقى رواجاً بين الناس.