هناك عدد قليل من الأندية التي يكون فيها المدير الرياضي "النجم" الأبرز، لكن رومان رودريغيز فيرديخو، المعروف ب"مونشي"، يستحق أن يكون كذلك لأنه كان مهندس الحقبة الأكثر نجاحاً في تاريخ إشبيلية الإسباني. منذ تسلمه منصب المدير الرياضي للنادي الأندلسي عام 2000، نجح الحارس السابق في قيادة الفريق من الدرجة الثانية إلى الفوز بخمسة ألقاب في مسابقة الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ"، وهو إنجاز مزدوج لم يسبق لأي فريق تحقيقه، أكان من حيث العدد الإجمالي أو من حيث الفوز بألقاب متتالية (ثلاثة ألقاب في المواسم الثلاثة الأخيرة). واللافت أنّ إشبيلية حقق هذه الإنجازات مع مونشي مع "تكديس" الملايين جراء بيع لاعبين بارزين مثل البرازيلي داني ألفيش وسيرخيو راموس والكرواتي إيفان راكيتيتش واستبدالهم بلاعبين لم يكلّفوا سوى جزءاً ضئيلاً من الأموال التي حصل عليها. ويتحدث مونشي عن استراتيجيته في مقابلة حصرية مع وكالة "فرانس برس"، قائلاً "نحن نكتسي الآن طابعاً تجارياً أكثر مما نحن عليه كناد كروي، وعلى أرضية الملعب حققنا إنجازات مذهلة لم نكن نحلم بها". ويشير إلى أنّ فريقه لم يحصد النجاح الذي كان يستحقه في الماضي، لكن "أنا سعيد لأنّ النادي... تمكّن من فرض نفسه بين نخبة الأندية في الكرة الإسبانية والأوروبية". وسيتمكّن إشبيلية من التقدّم خطوة إضافية ضمن مسعاه لتعزيز مكانته الأوروبية عندما يستضيف الأربعاء في ذهاب الدور ثمن النهائي من مسابقة دوري أبطال أوروبا، ليستر سيتي الإنكليزي حامل لقب الدوري الإنكليزي الممتاز والذي يعاني من نتائج سيئة هذا الموسم. وعلى الرغم من النجاحات التاريخية للنادي الأندلسي في "يوروبا ليغ"، لم ينجح في بلوغ ربع نهائي دوري أبطال أوروبا ولو لمرة واحدة بقيادة مونشي. وغاب النادي عن هذا الدور منذ مشاركته الأولى خلال موسم 1957-1958 عندما انتهى مشواره بخسارة قاسية أمام مواطنه ريال مدريد (صفر-8 و2-2) الذي توّج لاحقاً باللقب. ووصل إشبيلية في مناسبتين آخريين فقط إلى ثمن النهائي عامي 2008 و2010 حيث انتهى مشواره على أيدي فنربغشه التركي وسسكا موسكو الروسي على التوالي. ويؤكد مونشي (48 عاماً) الذي دافع عن شباك الفريق الرديف لإشبيلية من 1988 حتى 1990 ثم الأول من 1990 حتى 1999 قبل ان يعتزل وهو في الثلاثين من عمره فقط مباشرة بعد مساهمته في صعود النادي إلى الدرجة الأولى، أنّ "هناك الكثير من الحماس والأجواء والطموح بحثاً عن خطوة طال انتظارها ومتمثلة بالإنضمام إلى أفضل ثمانية فرق في دوري أبطال أوروبا (ربع النهائي)". وواصل "سيكون (التأهّل) خطوة إضافية في مسار نمو النادي وعلامتنا التجارية والثقة في هذا المشروع وتأكيد (صحة) ما نقوم به". ويدخل الفريقان المواجهة في ظروف متناقضة، إذ يمر ليستر بأزمة كبيرة وهو مهدد بالهبوط بعد موسم فقط على إحرازه لقب الدوري الممتاز للمرة الأولى في تاريخه. في المقابل، يعيش إشبيلية بقيادة مدرّبه الجديد الأرجنتيني خورخي سامباولي الذي خلف أوناي إيمري المنتقل إلى باريس سان جرمان الفرنسي، فترة رائعة على الصعيد المحلي وهو في قلب الصراع على لقب الدوري، ويتخلف بفارق ثلاث نقاط عن المتصدر ريال مدريد (يملك مباراتين مؤجلتين) ونقطتين عن برشلونة الثاني. وتطرّق مونشي إلى أزمة ليستر سيتي، قائلاً "أنا متفاجىء لأنني أعتقد بأنهم يملكون فريقاً جيداً. إذا قارناه بفريق الموسم الماضي، فنرى أن هناك فارقاً واحداً وهو غياب (الفرنسي نغولو) كانتي" المنتقل إلى تشلسي. وإذا كان هناك أحد يعرف كيفية التعامل مع مهمة استبدال النجوم والحفاظ على نحاحات الفريق، فهو مونشي، لكن حتى الحارس السابق وجد الصيف الماضي صعوبة في إعادة بناء الفريق بعدما خطف سان جرمان إيمري ولاعب الوسط المؤثر البولندي غريغور كريشوفياك. كما خسر النادي الأندلسي أفضل هدافيه الفرنسي كيفن غاميرو لصالح أتلتيكو مدريد، ما دفع مونشي إلى التشكيك بقدرة الفريق على المنافسة، فتقدّم باستقالته لكن الإدارة رفضتها، فكان بعدها عازماً على استقدام المدرب الأرجنتيني خورخي سامباولي وبدء عملية بناء فريق مختلف عن ذلك الذي أسسه إيمري. وأكد مونشي أنه "كان (الصيف) الأصعب لأسباب عدة، منها أسباب شخصية، لكن المشكلة الأساسية كانت التغيير المفاجىء للمدرب في وقت بدأنا فيه تطبيق خططنا (للموسم). مدرب جديد يعني خطة جديدة. هذا الأمر وضع قسمنا (أي قسم الإدارة الرياضية في النادي) تحت الإختبار وأعتقد أن ردّ فعلنا كان جيداً". وردّ إشبيلية على التغييرات بإجراء 11 تعاقداً جديداً، لكن آخر هذه التعاقدات هو ترك الأثر الأكبر في الفريق. فلسفة مونشي لا تقتصر على اكتشاف المواهب المغمورة وحسب، بل على منح الفرصة لبعض اللاعبين الذين أهملوا في فرقهم مثل الفرنسي سمير نصري الذي بحث عن إنعاش مسيرته من خلال ترك مانشستر سيتي الإنكليزي والإنتقال إلى الأندلس بعقد إعارة. وتحدّث مونشي عن مقاربته لموضوع نصري، قائلاً "إعتقدنا أنه إذا كان نصري سعيداً، فذلك يعني أنه لم ينس الطريقة التي يلعب بها كرة القدم. حاولنا أن نجعله مرتاحاً كشخص لكي يظهر مجدداً ما في داخله كلاعب كرة قدم". وبما أن لكل شيء نهاية، يسود شعور بأنه، وبعد 30 عاماً في خدمة النادي الذي يعشقه، سيكون الموسم الحالي الأخير لمونشي مع الفريق، ويبدو روما الإيطالي على أتمّ الإستعداد للحصول على خبرته على الرغم من إغراء الإنتقال إلى الدوري الإنكليزي الممتاز. وكشف مونشي أنّ بطولتي فرنسا وإيطاليا تناسبان فلسفته، خلافاً لبطولة إنكلترا والأموال الطائلة التي تنفق فيها ما سيقيد سلطته. وقال "كرّرت في السابق بأن فرنسا وإيطاليا هما المثالان اللذان يجذباني كبطولتين لأن لشخصية المدير الرياضي هناك وزنها. هناك بطولات أخرى مثل إنكلترا الجذابة جداً، لكن دور المدير الرياضي هناك لا يتناسب معي على الأرجح بسبب النموذج المختلف هناك" من ناحية سلطة اتخاذ القرار المحصورة إلى حد كبير بمالكي الأندية.