قبل بضعة أيام انطلق مؤتمر مهم من حيث فكرته على أمل أن يحقق ولو تقدماً طفيفاً في ملف شائك ومعقد كتجديد الخطاب الديني، وهو عنوان المؤتمر الثامن لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في بلدان العالم الإسلامي؛ هناك العديد من المراقبين يتحدث عن لا جدوى لمؤتمرات من هذا النوع ما لم تؤت ثمارها على الواقع وتستقطب مرجعيات دينية غير رسمية ممن لهم تأثير كبير في صياغة «الحالة الدينية» في المجتمعات العربية والإسلامية لأسباب كثيرة تعود إلى أنماط جديدة من التدين كالتدين الشعبي والحركي والأصولي والعنفي...الخ وكل نمط له أدواته ومقولاته ومرجعياته ونجومه؛ وإذا كانت هذه الملاحظات التي تطاول هذه المؤتمرات صحيحة في الجملة إلا أن الحقيقة التي لا ينبغي تجاهلها هو أن ثمة تغيرات كبرى في الخطابات الدينية الرسمية لا سيما ذات الصبغة العالمية، والتي تتأثر عادة بالأجواء السياسية العامة الضاغطة نحو خطاب ديني متسامح يمكنه التعايش مع العالم المتغير. لكن السؤال الأهم في هكذا مناسبة هو عن خطابات «الظل»، وأعني بها تلك المعارك المستعرة بين التيارات الدينية والإسلامية المختلفة على الشرعية والتمثيل للإسلام الحق، فهذه الخطابات هي التي تؤثر في الجماهير بسبب ثوريتها ويقينيتها المطلقة، فهناك قائمة طويلة من المسائل الشرعية والقضايا الدينية التي لم تزل عالقة في خطابنا الديني المعاصر لكن خارج تلك الصراعات الداخلية هذه الأسئلة عادة ما تصدر عن طرف محايد يعبر عن سياق فكري مختلف غير معني بالشرعية أو كعكعة الجماهير بقدر أنه مشغول بصورة خطابنا الديني لدى الآخر، وعادة ما يمثل هذا الصوت الصحافة والخطاب النقدي الأدبي والفكري. تكمن المشكلة في أن الخطابات الدينية التقليدية أو تلك ذات البعد السياسي النفعي بغرض الوصول إلى فكرة «الخلافة» المسيطرة على ذهنية حركات الإسلام السياسي، خطابات لا تاريخية وبالتالي ليست واقعية فهي تستخدم أدوات بحث وتفكير تعطي في المحصلة نتائج كارثية على مستوى علاقة تلك الأفكار بالواقع، مهما تذرعت بشعارات من مثل تطبيق الشريعة أو الالتزام بالنص الديني...الخ تلك الشعارات التي هي مقولات حق أريد بها باطل، بحيث باتت تستخدم كفزاعة لتخويف المخالفين عبر التلويح لهم بتهمة «المروق من الدين»، في حين أن كثيراً مما يطرح في مثل هذه المسائل الحساسة لا يعدو أن يكون أخذاً برأي فقهي، تقابله آراء أخرى مقبولة من حيث مرجعيتها الدينية. نحن بحاجة إلى تجاوز رصد الظواهر المرضية للخطاب الديني، والانتقال إلى قراءة نقدية لجذور العطل في بنية الخطاب الذي أعاد إنتاج الإسلام، وفق رؤية صدامية آيديولوجية تستمد جذوتها من شعارات طوباوية تدعي قيادة الأمة وتزعم التحكم في مصائرها مع أنها لا تملك أحقية تمثيل الخطابات الدينية الأخرى المنافسة لها فضلاً عن وهم امتلاك الحقيقة للحديث باسم المجتمعات والدول وفق رؤيتها الضيقة للعالم. الخطاب الديني المعاصر هو خطاب حديث من جهة تناوله للمسائل المعاصرة وإن كان يستمد نتائجه من خلال الاعتماد على النصوص الدينية عبر آليات القياس وإلحاق المعاصر بوقائع قديمة مع إلغاء الفوارق الزمانية الضخمة والأهم من ذلك أن هذه الخطابات لا تمتلك حالة توافقية أو أي إجماع فهي منذ لحظة الاصطدام بالواقع الجديد مع سقوط الخلافة العثمانية وهي تعيش أشكالاً من التذرر والانشطار لمحاولة التكيف مع المستجدات التي يفرزها الواقع من دون مساءلة للمقولات الأساسية التي اكتسبت هذه الجماعات كينونتها عبرها. نعم لتجديد الخطاب الديني فهو أمر مهم وحاسم حتى في كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكن الأهم هو تجديد أدوات القراءة والشرائح المستهدفة ومصادر التلقي عبر فتح كل الملفات العالقة والحساسة حتى لا ندور في حلقة مفرغة. [email protected]