إعلان صغير نُشر في إحدى الصحف، يعرض صاحبه رقم «موبايل» بقيمة تقل قليلاً عن مليون ريال، وبقدر ما كان ذلك الإعلان مستفزاً إلا أنه في النهاية هناك بائع وسيكون هناك مشترٍ، لذلك تغض النظر، وتقول «الله يهني سعيد بسعيدة»، لكن عندما يتم الإعلان عن تأجير متنزه تبلغ مساحته أكثر من مليون متر مربع، مزود بالخدمات كافة لتحويله إلى استثمارات طويلة الأجل، مثل فندق ومجمع تجاري لمصلحة إحدى الشركات، ويقع في واحدة من أفضل المواقع التجارية في المنطقة، بقيمة ثلاثة ملايين ريال سنوياً، أي بقيمة تعادل ثلاثة أرقام موبايل تقريباً، فهنا ستقف وتتساءل: بأي ذنب قتل ذلك المتنزه؟ الإعلان عن تأجير متنزه الملك فهد لمدة 25 عاماً تزامن مع صدور قرار لمجلس الوزراء، الذي جاء فيه «على جميع الجهات الحكومية المحافظة على أراضي الخدمات العامة التي تملكها الدولة، وإبقاؤها لما خصصت له، خدمة للمنفعة العامة، وإنفاذاً للأوامر السامية في هذا الشأن، وإذا توافرت أسباب مقنعة لدى إحدى الجهات الحكومية باستغنائها عن شيء منها، فيتم التصرف فيها أو بيعها بعد التنسيق بين الجهة المعنية ووزارة المالية (مصلحة أملاك الدولة)، ووزارة الشؤون البلدية والقروية» وفقاً لطريقتين حددهما البيان. أمام تناقض الصورة بين خطوة الأمانة والقرار السامي لابد أن تصاب في حيرة وتتساءل، ترى إلى متى ستواصل أمانة الشرقية ساديتها التي طالت شوارع المنطقة وتحولت الآن إلى مرافقها؟ ترى هل انتقل «الجني» إلى الشرقية، بعد الغربية، وبدأ نشاطه العقاري؟ وأين المجلس البلدي مما يحدث؟ ولماذا تم انتخابه؟ أو بالأحرى من يمثل تحديداً المواطنين أم الأمانة؟ وماذا عن هيئة السياحة؟ فهل ترى دراستها التي تنكب عليها منذ سنين، انه لم يعد لدينا أراضٍ صالحة للاستثمار، إلا المتنزهات وأماكن الترويح التي هي من حق المواطن أصلاً لتصفق لمثل هكذا صفقة؟ على الصعيد الشخصي، سأتنبأ أنه خلال السنوات العشر المقبلة لن يجد المواطن متنفساً له ولأهله، فالنزعة العدوانية للأمانة التي ظهرت بوادرها بحجة تطوير شوارع المنطقة، الآن تحولت إلى المرافق الترفيهية، لتحيلها إلى أرصفة لتشجيع الحوامل على المشي، أو مواقع يتم تأجيرها، بعد أن أصبحت الشواطئ شاليهات، والحدائق أسواقاً وفنادق. ومتنزه الملك فهد لمن لا يعرفه هو متنفس لأهالي المنطقة وزائريها، وتبلغ مساحته أكثر من مليون متر مربع، وموقعه يتوسط المدن الرئيسة الثلاث في المنطقة: الدمام والظهران والخبر، فضلاً عن قربه من القطيف، وتبلغ كلفة صيانته ثلاثة ملايين ريال سنوياً، وهنا حجر الزاوية، فالأمانة التي تبلغ موازنتها أكثر من بليون ريال، تعجز عن صيانة هذا المرفق الحيوي، فتقرر هكذا أن تقوم بتأجير موقع مميز يتوفر فيه البنى التحتية اللازمة كافة لأي مشروع، لمدة 24 عاماً، مقابل مبلغ ثلاثة ملايين ريال سنوياً، أليس في ذلك تفريط في واحد من أبرز المرافق الترفيهية، ثلاثة ملايين فقط، بينما تؤجر الأمانة ذاتها بضعة أمتار على الكورنيش بمبالغ تصل إلى نصف مليون ريال؟ شخصياً أنا على استعداد أن أدفع أكبر من هذا المبلغ، وهناك مستثمرون على استعداد لأن يدفعوا أكثر مما يمكن أن أدفعه، بل إن بعضهم يدفع هذا المبلغ مقابل معارض لملبوسات أو سيارات لا تعادل مساحتها 10 في المئة من مساحة المتنزه، وبخلاف ذلك ما الذي سيجنيه المواطن من إقامة مجمع تسويق أو فندق في وقت لا تفصله سوى أمتار عن واحد من أكبر المجمعات التجارية في المنطقة، الذي بدأ التشغيل الفعلي الأسبوع الماضي. لسنا في حاجة لجواب من الأمانة، بل هي في حاجة لتعلم أننا سنكون أول المصفقين لها لو قررت الاستغناء عن المتنزه للصالح العام، طالما أنها غير قادرة على تغطية نفقات صيانته، أو أنها ترى عدم جدوى وجوده، ووزعت أراضيه على منتظري المنح، الذين تتجاوز أعدادهم 130 ألفاً، يتضرعون إلى الله أن تخرج أوراقهم الحبيسة في أدراجها منذ أكثر من 30 عاماً، لكن لا منح والمتنزه إلى مثواه الأخير، كثير علينا يا أمانة الشرقية! [email protected]