توقع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أن تتجه الدول العربية إلى إرجاء قمة «الاتحاد من أجل المتوسط» المقرَّرة في برشلونة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري «لأن المناخ غير ملائم» للجلوس إلى طاولة واحدة مع إسرائيل. وحذّر أبو الغيط، الذي أجرى محادثات في واشنطن وباريس تناولت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المتعثرة والأوضاع في لبنان والعراق والسودان، مَن يريد زعزعة استقرار لبنان باستخدام موضوع المحكمة الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، من «استخدام المجتمع الدولي أسنانه». وقال إن «مجلس الأمن قادر على إخراج أي طرف يخرج على إطار الشرعية، لكن آمل ألاّ تصل الأمور إلى هذه النقطة». وقال في مقابلة مع «الحياة» في باريس قبل عودته إلى القاهرة، إنه خلص من محادثاته في واشنطن إلى أن «الإدارة الأميركية تطلب مزيداً من الوقت للتحرّك وإقناع إسرائيل بمسألة وقف الاستيطان»، لكنه شدّد على أن المهلة التي منحها العرب للتحرك الأميركي تنتهي بنهاية الشهر الجاري بأقصى حد». ورأى أن خيار الذهاب إلى مجلس الأمن لإعلان الدولة الفلسطينية «ينبغي أن تسبقه موافقة الولاياتالمتحدة وموافقة اللجنة الرباعية»، قبل أن يلفت إلى أن «هناك خيارات أخرى متاحة، والإدارة الأميركية تعرفها، لكن يجب أن نسعى ونستمر في اتجاه الحصول على مواقف أميركية أكثر تقدماً للتأثير على إسرائيل». نحو ضغط أميركي أكبر على إسرائيل ورأى أن «المسار الفلسطيني متوقف نتيجة لموقف إسرائيلي حاد للغاية لا يساعد الإدارة الأميركية في مساعيها، ويسعى دائماً إلى أن يضع الجانب الفلسطيني في مأزق متكرر، والجانب الإسرائيلي لاحظ أن الفلسطينيين يتمسكون بوقف الاستيطان، فوضع حجر عثرة في مواجهة المفاوضات عن طريق الاستمرار في الاستيطان». وأشار إلى أنه طرح سؤالاً في واشنطن هو «هل تسعى إسرائيل فعلاً إلى سلام متوازن وعادل أم إلى أحد شيئين: إطالة الوقت وإضاعته للسماح لنفسها بمناورات ومراوغات تكسب بها 20 عاماً أخرى كالتي كسبتها منذ مدريد وأوسلو، أو تسوية بشروطها تخدم أهدافها وتمكّنها من التحكم بالطرف الفلسطيني في دولة صغيرة؟». وأضاف أن الخيارين «لا يمكن أن يقبلهما أحد، لا الطرف الفلسطيني ولا العرب ولا المجتمع الدولي، خصوصاً أن تكون هناك دولة فلسطينية مقطّعة الأوصال ضعيفة تعيش في ظلال إسرائيل وحمايتها وتحت سيطرتها الكاملة... هذه هي الأسئلة التي طُرِحت من جانب مصر في واشنطن. ومهمتنا كانت التعرف على حقيقة الرؤية الأميركية وماذا تفعل الولاياتالمتحدة وما هي أهدافها الفعلية وخططها وحدود حركة الموقف الأميركي إذا ما ثبت أن الجانب الإسرائيلي يناور فعلاً وأن الولاياتالمتحدة عليها أن تأخذ منهجاً آخر». وأوضح: «تحدثنا في الخيارات المتاحة. ونرى أن زيارتنا واشنطن كشفت رغبة أميركية في دفع عملية السلام واستعداداً لتبنّي مسؤوليات في هذه العملية، لكن تبين لنا أيضاً أن الولاياتالمتحدة ترغب في مزيد من الوقت لتطوير الموقف الإسرائيلي بالأسلوب الأميركي الحالي، أي محاولات الإقناع والتحدث في مسألة الاستيطان والحصول على تمديد لوقفه». غير أنه شدد على أن المهلة التي منحها العرب للإدارة الأميركية تنتهي «نهاية الشهر الحالي كحد أقصى، وهم يعرفون ويتفهمون أنه ليس متاحاً أمامهم وقت طويل، ومن هنا أتصور أن نهاية الشهر الجاري ستكون الفيصل في كيفية التحرك». وعن تكرار هذه الوعود الأميركية، قال أبو الغيط إن «حدة التحدي الإسرائيلي لم تُكشف مثلما كُشفت خلال الأيام الماضية... عندما يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الولاياتالمتحدة، فيما تلقي إسرائيل قنبلة بناء 1300 وحدة استيطانية في القدس قبل يوم من لقائه نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، ثم يلتقي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ويكون هذا الإعلان محلّقاً في سماء العلاقة». ولفت إلى أن «مصر ترى أن المجتمع الدولي عليه مسؤولية كبيرة، ممثلاً بالرباعية الدولية، لكنه يتحرّك في ظل الرؤية الأميركية، ومن هنا نقول إن الرؤية الأميركية مهمة والتأثير الأميركي مهم، ويجب المضي في إقناع الولاياتالمتحدة باستخدام كل قدراتها للتأثير على إسرائيل. قد يردّ البعض بأنه يجب الذهاب إلى خيارات جديدة أخرى مثل مجلس الأمن، فنرد ونقول إن هذا ينبغي أن يحصل بموافقة أميركية مسبقة، وأيضاً بموافقة الرباعية، وهذه الأطراف ليست جاهزة للذهاب إلى مجلس الأمن». أما عن اللجوء إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فقال: «نذهب إليها على مدى 63 عاماً، وستصدر قرارات رائعة تطالب بإقامة الدولة وإدانة الاستيطان، ولا سبيل لتنفيذ أي شيء... هناك اقتراحات أخرى تُطرح يجب أن تُعطى فرصة للدراسة، ويجب أن ندقق فيها قبل تبنيها. لكن استخدام المسار الأميركي أمر ضروري، ويجب أن نسعى ونستمر ونجهد في اتجاه الحصول من الولاياتالمتحدة على مواقف أكثر تقدماً في قدرتها وإمكانياتها في التأثير على إسرائيل». وأكد أن «الزيارة التي قمت بها إلى رام الله كشفت أن أولويات العمل المصري - الفلسطيني - الأردني المشترك هي الحصول على وضع نستعيد من خلاله المفاوضات مع وقف الاستيطان في شكل كامل، ليس لشهر أو شهرين ثم نعود إلى الأزمة نفسها، بل يجب أن يكون هذا الوقف إذا تحقق مفتوح المدى إلى حين التوصل إلى المبادئ الأساس للتسوية، وإذا لم ينجح ذلك، سنذهب الى خيارات أخرى لا أقصد بها مجلس الأمن ولن أكشفها، لكن واشنطن اطلعت عليها». إرجاء القمة المتوسطية ورجح إرجاء قمة برشلونة «على ضوء التحديات الإسرائيلية التي رأيناها خلال الفترة الأخيرة». وقال: «عقدت مجموعة مشاورات لأستشفّ فيها موقف الإخوة العرب، وركزت الرؤية العربية من الرسائل واجتماع عقد في القاهرة هذا الشهر، على محورين في التعامل مع الاتحاد من أجل المتوسط، وهما الاستمرار في الاجتماعات القطاعية كلما كان ذلك ممكناً، لكن القمة قد تزيد تعقيد الأمور ولا تسهّلها». وتابع: «بالتالي وصلنا إلى نتيجة أكدتها في باريس لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والموفد الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، مفادها إصدار إعلان نتفق عليه مع بقية الأطراف الأخرى لإرجاء القمة، علماً أننا لم نكن دائماً نربط بين تسوية القضية الفلسطينية والاتحاد، لكن المناخ غير ملائم لعقد اجتماع يشارك فيه الجانب الإسرائيلي والعرب، وسيصدر بيان خلال أيام نقول فيه قرارنا عن موعد القمة الذي نتفق عليه عندما يكون المناخ مناسباً». الوضع في لبنان وعما إذا كان تناول الوضع في لبنان خلال جولته، قال أبو الغيط: «تحدثنا في مسائل كثيرة في واشنطن وباريس، وتناولنا لبنان والعراق والسودان والرؤى المصرية والفرنسية والأميركية تقترب من بعضها، وليست هناك تناقضات بين الأطراف». وعن احتمال زعزعة الاستقرار في لبنان بسبب الخلاف على المحكمة الدولية لقتلة الحريري، قال: «عند ذلك سيقف المجتمع الدولي، وله أسنان، في مواجهة من يهز استقرار لبنان باستخدام موضوع المحكمة، ولا يجب أن يفوتنا ان المجتمع الدولي لديه أسنان، ليست لديه ميليشيات، لكن لديه أسنان. ومجلس الأمن قادر على إخراج أي طرف خارج على إطار الشرعية، بكل ما يتبع ذلك من أوضاع تفرض على هذا الطرف الانزواء التدريجي. ومع ذلك آمل ألا تصل الأمور إلى هذه النقطة، ونحن في مصر لا نشجع مجلس الأمن على أن يعود مرة أخرى إلى استخدام هذه السلطات، لأنها قد تزيد من تعقيد الوضع في لبنان، لكنني أتحدث عموماً عن الآليات المتاحة التي آمل ألا تُستخدم». ونفى أن يكون الاهتمام المصري بلبنان مبعثه الخلاف مع سورية، قائلاً إن «مصر مهتمة بلبنان تاريخياً على مدى 50 عاماً، ولا دخل إطلاقاً لاختلاف الرؤية المصرية - السورية في اهتمامنا بلبنان. سورية لها منهجها ومصر لها رؤيتها، وإن كنا نختلف مع سورية في تحليل كثير من قضايا الشرق الأوسط، لكن حركتنا في لبنان تتحرك من رؤيتنا للمصلحة اللبنانية الخالصة». وشدد على أن «مصر لا تسعى لا إلى بناء نفوذ في لبنان ولا إلى التواجد على أرض لبنان والتأثير في الوضع اللبناني، فرؤيتنا للبنان أنه بلد هام في معادلة الشرق الأوسط. وقال رؤسائنا ارفعوا أيديكم عن لبنان، وما زال هذا هو الشعار المصري ونحن نتمسك به».