انفجار كبير طيّر غطاء السقف. فجأةً جاءنا النور وغطانا الغبار والدمار. أذناي أَزَّتا من وقع الإنفجار. صرختُ وبكيتُ ولم أعد قادرة على سماع صوتي. كنا منكبَّتين على الطفلة وأيدينا تحمي رأسينا. رمقت هدى ورأيتها معلقة وسط صيحة، بل حشرجة صامت من الرعب الخالص. شعرها مجبول بالغبار الأبيض والدم، وجهها ملطخ بالوحل، والدم يتقطر من صدغيها. خفق قلبي بقوة مسموعة با بووم، با بووم، عدا ذلك أغلق الانفجار أذنيَّ عن كل صوت إلا خفقان قلبي وغرغرة هلعي. كان الصمت كثيفاً وشاملاً كأنه سكون قلب الأعصار أو صمت ما تحت المياه. التفتُّ إلى (الطفلة) عائشة. كانت نائمة، كان وجهها هادئاً، ملائكيّاً، شفتاها العذبتان الورديتان منفرجتان قليلاً فكأنها تبتسم. لم أفهم، لكن دموعي انهمرت على وجهها وحركت الطين في خديها. كانت معدتها الصغيرة تحتضن شظية. انقبض العالم كله في خفقات قلبي وأنا أنتزع قطعة المعدن الدامية بيدي. صغيرة وخفيفة، فكيف اخترقَتْها هكذا؟ كيف كان لها أن تختطف حياة بتلك السهولة؟ وقفتُ وما زلت أحمل الطفلة الميتة وقطعة المعدن. كانت أرض المطبخ على المستوى نفسه مع نظري لكن المطبخ توارى وبانت السماء حيث كان سطحه. رأيت أمامي أكوام دمار، بعضه ما زال يدخن. ورأيت رجلاً عرفته، جارنا أبو سميح، ينبش بجنون أكوام الدمار بيديين جريحتين. ثم اختفى في ذيل من الدخان ليظهر بعد قليل حاملاً جثة طفل صغير في ذراعيه، ثاقباً ذهولي بصيحة رهيبة.