المسافة بين حاضر الدراما التلفزيونية العربية وبداياتها الأولى تتجاوز أربعة عقود طويلة. من شاهد الأعمال الدرامية العربية الأولى يلحظ الفوارق الهائلة في تقنياتها البسيطة، بل شبه البدائية، وبين ما تتمتع به الأعمال الراهنة من جماليات بصرية، بفضل تقنيات لم تكن متوافرة للرواد الأوائل. مع ذلك، فمشاهدة تلك الأعمال تضعنا أمام حقيقة أخرى، هي جدّية المضامين التي حملتها، ناهيك عن مناخ الهواية الذي تحققت فيه تلك الأعمال. في البدايات المصرية أتذكّر «خيال المآتة» و «سداح مداح» وقد عرضا صيف العام 1967، وأتذكر كتّاباً مثل زكريا الحجاوي، ومخرجين مثل نور الدمرداش وابراهيم الصحن، فيما لا أنسى أعمال الدراما السورية الأولى لمخرجيها الرواد، خصوصاً علاء الدين كوكش وغسان جبري. تلك الأعمال تجاسرت فكرياً وبأشكالها الفنية، فقدمت ما يبدو اليوم شائكاً ويقع في المساحات الحرجة وغير المرغوب فيها. وقع التراجع ولا يزال بسبب تعريب الدراما المحلية، وانتشار المسلسل خارج بلد المنشأ، أي انتقاله من سلطة الرقابة الواحدة إلى رقابات لا تحصى، إذ هي بعدد البلدان والفضائيات التي ستبثه لمشاهديها. وعلى رغم أهمية الانتشار، لكنه لا يغطي ذلك ولا يحجبه. من الهواية جاءتنا نصوص جيدة، ومع الانتشار وتحول الدراما إلى صناعة تضاءلت، بحكم الكثرة، النصوص المحبوكة، والدراما التي تمزج بإتقان بين الموضوع المهم والأشكال الفنية المتطورة. ذلك ليس له سوى معنى واحد: حاجة الدراما العربية لاستعادة ألقها بنصوص تتجاوز معظم ما نشاهده اليوم، ففي مناخات فورة الإنتاج يصعب الركون للآليات الراهنة. نتحدث هنا بالتأكيد عن «تأهيل» الكتّاب لممارسة فن كتابة السيناريو، كما لمعاهد لتعليم فنون الإخراج، كي تكون للصناعة أدواتها الفنية القادرة على حملها باستمرار. لا يزال المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية، مثلاً، مقتصراً على تأهيل الموهوبين في فن التمثيل، وقد آن أوان أن يؤسس قسماً خاصاً للإخراج وآخر للسيناريو. نقول ذلك ونحن نعرف أن الكوادر التي يحتاجها قسما الإخراج والسيناريو موجودة في صورة كافية، وهما لا يحتاجان سوى لقرار يأخذ طريقه للتنفيذ.