جاء قرار رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري المهندس أسامة الشيخ بعدم الدخول في شراكة مع جهات الإنتاج الخاصة في مسلسلات جديدة لشهر رمضان المقبل، صادماً لجميع المنتجين. فعلى رغم تظاهر بعضهم بأنه لن يتأثر سلباً بالقرار، وأنه ماضٍ في تنفيذ ما اتفق عليه مع النجوم الذين تعاقد معهم بأجور خيالية - علماً أنها تمت بموافقات شفهية وبعقود فعلية من دون وجود سيناريوات مكتوبة -، وعلى رغم أن الشيخ استثنى مسلسلين من هذ القرار هما «فرقة ناجي عطا الله» (من بطولة عادل أمام وتأليف يوسف معاطي وإخراج رامي امام)، و «رمضان مبروك ابو العلمين حمودة» (للمؤلف نفسه من بطولة محمد هنيدي وإخراج سامح عبد العزيز)، بحجة أن الاتفاق عليهما تمّ قبل فترة زمنية طويلة، وقبل أن تتراوح اسعار الفنانين بين 30 و80 مليون جنيه للنجم، الا ان هذا ينذر بأن الاتحاد يمكن أن يعمم شعار مقاطعة الشراكة بداية من العام المقبل. وكانت أصوات نقاد ومسؤولين ومؤلفين ومخرجين طالبت طوال أكثر من عشر سنين بضرورة إلغاء هذه الشراكة التي لم يستفد منها سوى بعض المنتجين الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، إذ كانوا يحصلون على موافقات بالشراكة في ثلاثة أو أربعة مسلسلات في العام مع جهات الإنتاج الثلاث في الاتحاد، وهي «قطاع الإنتاج» و «شركة صوت القاهرة» و«مدينة الإنتاج الإعلامي». وكانت «الشراكة» تتمثل في تعاقد المنتج الخاص مع أحد كبار النجوم على بطولة مسلسل ما، ويتفق معه على مبلغ يقدر ب10 ملايين جنيه مثلاً، بعد ان يشترط الأخير تفصيل العمل على مزاجه. عندها يضع المنتج موازنة إجمالية تشمل أجور المؤلف والمخرج وبقية الممثلين والفنيين وأماكن التصوير الخارجية والداخلية وشارات البداية والنهاية وسواها. ثم يتقدم الى إحدى جهات الاتحاد بموازنة إجمالية نفترض أنها 30 مليون جنيه، ويُوافق على الشراكة بعد دراسة شكلية للموقف، تستند إلى أن يشارك القطاع الحكومي ب 50 في المئة من الموازنة أي 15 مليون جنيه، وحينئذ يكون المنتج، ولو لم يكن معه سوى 5 ملايين جنيه قد ضمن مكسباً يعادلها، ويمكن ألا ينفق من ملايينه الخمسة قرشاً واحداً، على اعتبار أنه يحصل على الملايين ال 15 الأخرى على دفعات تبدأ في أول يوم تصوير، وهو اليوم الذي يكون قد بدأ التقتير في الصرف بداية من الاستعانة بممثلين ثانويين، والتصوير في مزارع أو فيلات بعض معارفه وأقاربه من دون أي مقابل، على رغم أن اوراقه الرسمية تؤكد تقاضي المؤجر مقابلاً مبالغاً فيه، وانتهاءً بأجور الكومبارس. إلغاء الشراكة لا بد أن يقابله إنتاج مباشر وقوي من الاتحاد يعتمد على النصوص الجيدة - وما أكثرها - سواء لمؤلفين معروفين أو جدد، على أن تسند بطولتها إلى مجموعة من شباب الممثلين المتعطش لفرصة لم يحصل عليها في النصوص التي كانت تُفصّل على مقاس النجوم، ويتولي إخراجها من لا يتعاقدون على إخراج مسلسلين أو ثلاثة في آن، وباتوا لا يقلون شراهة في طلباتهم المادية عن النجوم ولا يهمهم المنتج ونوعيته وتأثيره. خرجت الأعمال الخالدة من رحم قطاع الإنتاج مباشرة، ولنضرب مثلاً ب «المال والبنون» و«بوابة الحلواني» و«الفرسان» و«رأفت الهجان» و«الزيني بركات» و«ليالي الحلمية» الذي قدم في خمسة أجزاء شارك في بطولتها يحيى الفخراني وصلاح السعدني وحسن يوسف وصفية العمري وسمية الألفي ومحسنة توفيق وفردوس عبدالحميد وآثارالحكيم وإلهام شاهين وسهير المرشدي وممدوح عبدالعليم وهشام سليم وعبلة كامل ولوسي وصابرين وشريف منير وغالبية فناني مصر عن نص للراحل أسامة أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبدالحافظ. الشراكة تسببت في وأد مواهب عشرات المبدعين من مؤلفين ومخرجين وممثلين من الذين لا يعرفون الوساطة والمحسوبية، وعمقت مفهوم البطالة في كثير من الإدارات الفنية والرقابية في قطاعات الاتحاد، وجمدت عشرات الأعمال الجيدة التي تمتلئ بها رفوف المكاتب وأدراجها، ومنها روايات وقصص اشتراها كبار الأدباء والروائيين على أن يسند أمر كتابة السيناريو والحوار لها إلى مؤلفين محترفين، وبعضها مضى عليه أكثر من خمسة أعوام، وهو ما تضيع معه حقوق الاتحاد طبقاً للقانون الذي يعطي للمؤلف استرداد عمله لو لم ينفذه خلال خمسة أعوام، أو ينفذ بتعاقد جديد. الشراكة جعلت منتجي القطاع الخاص يستسهلون في كل شيء، كونهم تجاراً لا يلتفتون إلا إلى المكاسب المادية فقط، ودفعت بعض من سولت له نفسه وامتلك خمسة ملايين من الجنيهات أو أقل أن يدخل إلى سوق الإنتاج الدرامي. والغريب أن قطاعات الإنتاج الحكومية لا تزال تنتج أعمالاً مباشرة - تنفق عليها بالكامل - من دون شراكة، لكنها باتت تمر مرور الكرام لدرجة أن أصحابها يطلقون عليها «سبوبة» أو «نحتاية» بلغة أهل الفن.