مع اقتراب موعد قمة «الناتو» في لشبونة، يدور الكلام من جديد عن ابتعاد تركيا عن الغرب وتقربها من الشرق. وعلى رغم أن الديبلوماسيين الغربيين يقولون في تصريحاتهم إن تركيا لم تغير وجهتها، يبدي هؤلاء قلقهم من وجهة تركيا وراء الأبواب المغلقة. فإدارة الرئيس أوباما الأميركية استحدثت قسماً خاصاً بالشؤون التركية في مجلسها القومي لتفهم الى أين يأخذ حزب العدالة والتنمية تركيا. وبدأ الغرب يقف على مسافة من تركيا. وهو يعارض مواقفها من ايران واسرائيل. ويبدو أن قمة لشبونة هي امتحان عسير لعلاقات تركيا بالغرب. فروسيا بدأت تتقرب من «الناتو»، وتتعاون معه في مشروع الدرع الصاروخية. وتؤيد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول شرق أوروبا المشروع هذا. والتأييد هذا يحرج تركيا. ويوفر الموقف الفرنسي، وهو يرفض القول ان ايران هي مصدر تهديد ل «الناتو»، ويعارض القول ان المشروع يستهدف ايران مباشرة، يوفر فرصة مناورة أمام تركيا. وفي الأيام القليلة الماضية، سرّب الاعلام التركي بعض تفاصيل وثيقة الامن القومي التركية الجديدة التي تشير الى خطر ايران واسرائيل النووي. ولكن وسائل الاعلام الغربية تجاهلت ما ورد في الوثيقة عن ايران، وسلطت الضوء على اعتبار اسرائيل مصدر خطر. وبحسب ما نقرأه في الإعلام الغربي، تبدو خطة تركيا للخروج بأقل الخسائر من معارضتها مشروع الدرع الصاروخية شبه معروفة. فتركيا ترهن موافقتها على وثيقة «الناتو» الاستراتيجية بشرط الإحجام عن ذكر ايران على انها عدو أو تهديد. ويتوقع أن تمتنع أنقرة عن المشاركة في مشروع الدرع الصاروخية. وهذا وراء مأخذ الغرب على تركيا. ولو لم تذكر الوثيقة ايران على انها عدو او تهديد، يحرج تركيا وصف حلفائها في الناتو ايران بمصدر تهديد. وجلي أن ثمة تبايناً كبيراً واستراتيجياً بين نظرة تركيا الى ايران و نظرة حلفائها في الناتو اليها. والغرب لم ينس بَعد أن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، عارض ترشيح رئيس وزراء الدنمارك السابق، أندرس فوغ راسموسان، الى منصب الأمين العام للحلف في نيسان (ابريل) 2009. ويبدو أن الرئيس الاميركي، باراك أوباما، ينظر بعين البرم الى تصريحات أردوغان، ولا يرغب في أن تعيد تركيا الكرة من جديد، وتخرج عن الإجماع في لشبونة. لذا، أوكل الى مستشاريه تذليل العقبات مع تركيا. وأوباما لا يريد أن يفاوض أردوغان على مشروع الدرع الصاروخية. وخلاصة القول إن تركيا في موقف حرج أمام حلفائها الغربيين، في وقت تتمسك بعلاقات متميزة مع طهران. وإذا لم تفلح أنقرة في توسل خطاب ديبلوماسي يوازن بين الطرفين، الغرب وايران، قد تخسرهما معاً. ويُجمع على أن وزن تركيا في الساحة الدولية والاقليمية الى ازدياد. ولكنها لم تحتل بَعد مكانة تخولها مخالفة حلفائها في الغرب في موضوعات هي موضع اجماع في المؤسسات الغربية. والحكومة حددت موقفها من قمة لشبونة وراء الابواب المغلقة، في اجتماع عقد في رئاسة الجمهورية الاسبوع الماضي. والاجتماع هذا حاسم ومهم. وعلى رغم أننا لم نعرف نتائجه، يبدو أن تداعيات هذا القرار سيكون لها أثر بالغ في علاقات تركيا المستقبلية بالغرب. * معلق، عن «مللييت» التركية، 8/11/2010، إعداد يوسف الشريف