لدى الفنان التشكيلي صدّيق واصل أسلوب خاص، في طرحه ومعالجته للأفكار والرؤى التي يطرحها في أعماله الفنية، من خلال فن تشكيل المعادن، فأعماله الفنية التركيبية والتجميعية، تندرج ضمن الفنون التي ظهرت تحت اتجاهي الحداثة وما بعد الحداثة، إبان النصف الأول من القرن العشرين، في إطار فن العامة أو فن الشارع ، تلك الفنون المحققة لما عرف بالنظرة المفاهيمية، باعتبار الفن الذي يتم التركيز فيه على الوسائل والأدوات والعمليات لإنتاج لغة فنية ترمي لطرح الأسئلة، بدلاً من التركيز على الأشياء في حد ذاتها، وأيضاً الالتفات للتقنيات العصرية المختلفة التي أحدثت في بداية ظهورها صدمة للجماهير والنقاد على حد سواء، بما أسسته تلك الفنون من معادل تشكيلي للمتغيرات والتطورات التي سادت على كل فروع المعرفة في القرن العشرين. في هذا السياق تأتي مشغولات صديق واصل متمحورة حول الإنسان، إذ يشكل كيان الإنسان الروحي اهتمامه الرئيسي، بكل ما يحمله من مشاعر سامية أو رافضة، وهو في كل عمل يطرح سؤالاً تحريضياً مؤرقاً وحاثّاً على مجابهة الواقع، ومتحدياً عذابات وصراعات الراهن اليومي. بهذا المدخل نفهم أنه لا يصنع الجمال بتشكلاته الكلاسيكية المكررة، ولا يجاري المعاني الشعورية الحسية بعيداً عما يعانيه الإنسان من أزمات نفسية ومكابدات مادية بكل تبعاتها ومشاقها ودهاليزها الجاحفة، لكنه يذهب إلى جمالية التقويض والنقد الراديكالي الفني، ويتقصي المواجع المتأتية من الحياة المدنية التي تفرزها العولمة وما يتبعها، ويعبر عنها بما يشابه مرافعة قاضي المحكمة الثائر المتوائم مع واقعه والمرتبط بالمادة ليحولها إلى نتاج فني بطرق مختبريه تشكل الأساس لعملية الخلق الفني. لذلك تبدو في أعماله المنجزة حديثاً، تأثيرات صراعات الحياة، بدءاً من كدح الإنسان لتأمين عيشه، ومروراً بتداعيات الكفاح والعمل وما يلاصقهما من ضياع روحي وانخراط في منظومة الطحن المستمرة، وانتهاء برفضه للتدمير الذي تحدثه الحروب والكوارث والأوبئة والاختناقات الوجودية، ويرسل في ذلك كله رسالة داعية للمتأمل الباحث، الذي ربما يجدها في ضميره ووجدانه المستلب. هكذا تتبلور رؤية «واصل» الذي بات يتعامل مع الشعور والحس الإنساني ملتصقاً بفجاجة ظروفه التاريخية والاجتماعية. هذا الهاجس يشكل المنطلق الفكري له، فاشتغاله على تطويع الحديد والمعادن في صياغات ومجسمات تعبيرية تحاكي صور درامية من نوع خاص، وتنحو منهجيته في تجميع أشلاء الأشياء المهملة من التروس والسوست والمسامير والصواميل وشرائح الحديد والصفيح، والربط بينها في تماسك شكلي عضوي مدهش، محدثاً بالتحول الكتلي الجديد نوعاً من رؤية مباغتة، يفتح بها آفاقاً تقوم على اكتشاف وسبر أغوار العواطف الإنسانية. لكن من زاوية أخرى قد يعد تجسيد هذه المخلفات على هيئة مجسمات فانتازية، بحثاً عن القيمة الجمالية لها، ودائر حول إنتاج المدلول والقيمة، بما يجعل من الموضوع أو الممارسة عملاً فنياً. وأيضاً بما يكفل لها عنصر القيمة النفعية، بدافع يرمي إلى تخليق معنى تحريضي بلغة متجددة صادمة، ويعتمد على فكرة أساسية وهي الاعتماد بصورة جزئية أو كلية على العناصر المصنعة والمواد التي لم يكن الهدف من تصنيعها أن تصبح مادة فنية، انطلاقاً من مفهوم البحث والتجريب والتجديد في العمل الفني لقدرته على التعبير عن فلسفة الاستهلاك في الحياة اليومية وتحويل البيئة بكل معطياتها لتصبح هي بحد ذاتها العمل الفني الطارح لرؤية خاصة تقارب مضمون اجتماعي بدلالات رمزية. بعض مسميات وعناوين أعماله تأتي بصيغة الموصوف أو المفعول، بما يرمي إلى ضمير مستتر يشير إلى فاعلين مجهولين أو معلومين في كل حال، وهذا الموصوف هو مفعول به، وغالباً هو إنسان له صفة مفردة تبلور أساسه الدرماتيكي وتشكل كيانه التفاعلي، فنجد واصل يطلق عليها مسميات مثل: المعزول، المهزوم، الرجل المقلوب، المدعوس، المتوحشة، البائعة، المصدوم، وأسماء أخرى لأعمال متفردة نقرأ في ملامحها المعاني المختبئة التي تفصح عنها ، لتكون صورة شاخصة تبرز وجه الفن الحديث المماهي للتجربة الحداثية الدائرة حول القمع والوحشة التي يرصدها ويسعى لفضحها. فتمثاله المسمى «المنبوذ» يستجلي الإنسان المهمش ويستنطق ألمه وشعوره بالعزلة وهذا ينسحب على بقية الأعمال الأخرى المكتوبة بإبداعه التشكيلي ، وحيث تتفق آلية التقاطه للبقايا المهملة من مخلفات الحديد وتضمينها في توليفات تكوينية مع إحساسه تجاه العجز والخذلان اللذين يعتريان القيم المدنية وقصورهما في تحقيق السلام والسعادة للإنسان. لذا فإن ما يظهر واضحاً في إعادته لأجزاء الحديد الملتقطة من آلة أو مكينة، والعمل على تركيبها في منظومة مبتكرة، قد يكون مناورة لإيجاد بديل وجودي ينوب عن أصل كينونتها المفتقدة، وبالتالي تخليق فني متجاوز.