لو كنت مسؤولاً حكومياً لأقمت حفلة اعتزال لصندوق التنمية العقاري السعودي، ودعوت أكثر من 700 ألف مستفيد، الذين أقرضهم البنك منذ إنشائه، إما لترميم أو لبناء مساكن خاصة، أو قرضاً استثمارياً وطلبت من كل الذين يقفون في طابور الصندوق للحصول على قرض، أن يحضروا باقات من الزهور لتعليقها تكريماً لدوره، ونقدم درعاً تكريمية ونقول له «لو سمحت زيح شوي ترى وهقتنا»، والذين لا يعرفون كلمة و«هقتنا» فهي تعني التعب المضني من دون نتيجة. حتى الثمانينات الميلادية كان الصندوق العقاري أحد نجوم المؤسسات الحكومية، لا زحام والأسعار مناسبة ومواد البناء رخيصة، والمقاولون كانوا شرفاء، وقتها أيضاً كانت البلديات نشطة في منح أراضي للمواطنين، فاستفاد الناس من هذه القروض والمبلغ المقدم وإن كانت بعض الأسر تضيف فوق القرض بحسب مقدرتها من 100 الى 150 ألف ريال لإكمال مبانيها الصغيرة، وتسدد بحسب قدرتها أقساط البنك أو المقاول، إلا أن الصندوق بقي كما هو لم يغير من شروط القروض الخاصة، وعلى رغم الشرط الغريب الذي وضعه بالنسبة للقرض، وهو ضرورة أن يكون لديك قطعة أرض، إلا أن الناس مع ذلك تحايلت على الشروط، وكسب منها أصحاب الأراضي والمخططات بتسجيل أراضٍ واستخراج صكوك، ومن ثم بيعها بعد التقديم إلى الصندوق. والحمد لله أن مجلس الوزراء وافق أخيراً على إلغاء شرط تملك الأرض للتقديم لقرض الصندوق. الآن وقد تخلص الصندوق من هذا الشرط ماذا تتوقعون، إذا كانت طلبات القروض في السابق وصلت الى أرقام خيالية؟ فهل تتوقعون أن البنك قادر على تلبية طلبات المواطنين الذين سيتقدمون للحصول على القرض، وحتى لا أجعلكم تضحكون كثيراً، تخيلوا ماذا سيفعل المقترض بمبلغ 300 ألف ريال. هل تنتظر سنوات طويلة من اجل مبلغ زهيد لا يعادل في سوق العقار والمقاولات شيئاً، هل يعرف المسؤولون في الصندوق مؤشر سوق العقار، وهل سمعوا عن ارتفاع سعر الحديد والأسمنت، وكم وصل سعر متر البناء «تشطيب كامل»، إذا افترضنا أن المواطن حصل على القرض في رأيكم ماذا سيفعل بهذا المبلغ، أسعار الأراضي مشتعلة، والأمانات أوقفت توزيع منح الأراضي، وإن حصل أنها وزعت، تكتشف بعد أشهر أنها مملوكة للغير، أم أن يذهب بهذا المبلغ إلى الخارج مثل اندونيسيا وماليزيا وسيرلانكا والهند ويبني له منزلاً هناك بهذه القيمة، طبعاً أوردت هذه الدول لفارق صرف العملة، أما أن تبني منزلاً صغيراً هنا في السعودية فمستحيل، ليس في المدن بل حتى في القرى والأرياف، فماذا يفعل بنا الصندوق، هل يسخر من المقترضين، أم أنه يعلن اعتزاله تدريجياً. من الواضح أن خطة تشغيل الصندوق بهذه الطريقة لن تفيد الأطراف المعنية أو المستفيدة، لا المقترض ولا الدولة، ولا حتى في استعادة القروض، والحل يكمن في حاجتين، إما أن يقرر الصندوق رفع القروض الى مبلغ محترم يصل الى مليون ريال، يتماشى مع الأسعار الحالية سواء لقيمة الأرض أو البناء والمواد الخام، أو أنه يُغلق ونرتاح منه، بدلاً من تحسب لنا جميلة من الصندوق أنه أسهم في معالجة مشكلة الإسكان بمبلغ زهيد لا يُسمن ولا يُغني من جوع. هل بعد 37 عاماً لم يطور الصندوق من منتجاته ولا حتى من خدماته ويسير على وتيرة واحدة بطريقة مملة وغير قابلة للتطوير، لماذا يعتقد الصندوق أنه جمعية خيرية أو وزارة الشؤون الاجتماعية، وأن ما يقدمه ليس إلا هبات ومساعدات مع أنه يرهن قيمة العقار، ولا يمكن بيعه إلا بعد السداد، ويقدم المبالغ بأقساط وشروط صعبة. الحل الآن يجب أن نعترف أن الصندوق توفي سريرياً وبقاءه على هذه الحال لن يجدي نفعاً، كما أن استمرار إبقاء أجهزة التنفس عليه لا يعني انه سليم، فمشكلة الإسكان عويصة ومتعبة ومتشعبة، وإذا كان أسهم في العقد الأول من تأسيسه، فهو الآن عاجز مع المتغيرات الكثيرة في نمط المعيشة وزيادة الأسعار، ومن المهم جداً أن يتم اتخاذ قرار إبقاء الصندوق وتطوير منهجيته أو إلغاؤه سريعاً وحاسماً، ولا يستحق الإطالة أو يأخذ دورته التقليدية إلى مجلس الشورى والمجلس الأعلى للاقتصاد، أو هيئة الإسكان السعودية، أو أن يدخل الصندوق منتجات ومشاريع تدخل من ضمنها بيع شقق سكنية ومبانٍ جاهزة، وحتى دعم مشاريع مجمعات سكنية للمستأجرين أيضاً، أما أن يقف مكتوف الأيدي هكذا يتفرج على مأساة الناس وهو غير قادر أن يفعل شيئاً فهذا لا نقبله على الصندوق. ربما يحتفل البعض بقرار إلغاء شرط تملك الأراضي لطلب القرض، لأنه سيسهم في تراجع أسعار الأراضي قليلاً، إلا أن هذه الفرحة لن تدوم حينما يكتشف البعض أن المواطنين كانوا يدفعون مبالغ لتملك الأرض لفترة قصيرة، وتنتهي ملكيتهم فور تقديم طلب القرض، أما الآن فإن الناس سوف يندبون حظهم لأنه بعد طول انتظار سوف يحصلون على مبلغ «ما يبيض الوجه». * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]