الموقف الفلسطيني والعربي من مفاوضات السلام مع إسرائيل لم يكن معزولاً عن الانتخابات النصفية في الولاياتالمتحدة، والمهلة التي أعطاها الجانب العربي للرئيس باراك أوباما كانت تهدف الى تركه يركز على الانتخابات الصعبة من دون ضغوط يهودية أميركية. أما وقد انتهت الانتخابات فالسؤال هو ماذا سيحدث الآن؟ المصادر الإسرائيلية كافة تشير الى ان بنيامين نتانياهو سيعلن وقف الاستيطان، ضمن أضيق نطاق، أو ثلاثة أشهر أخرى، قد تمتد الى سنة، وكل معلق اسرائيلي أو يهودي اميركي يحاول ان يروّج لفكرة أن زعيم ليكود تغير، وأنه تحدث عن "دولتين لشعبين"، وهو كلام غير مسبوق منه. لا أرى نتانياهو تغير إطلاقاً، فهو لا يزال متطرفاً دجالاً، ومواقفه وتصريحاته وتسريباته لا تهدف الى شيء غير كسب الوقت، فكما دمر عملية السلام في ولاية بيل كلينتون الثانية بين 1996 و1999 فهو يعمل لتدميرها في ولاية أوباما الذي يعتبره الليكوديون أقل الرؤساء الأميركيين تأييداً لإسرائيل في حوالى نصف القرن الأخير. سمعت الرئيس أوباما يقول في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ستة أسابيع: عندما نعود الى هنا السنة المقبلة فقد يكون بحوزتنا اتفاق يؤدي الى عضو جديد في الأممالمتحدة هو دولة فلسطين مستقلة، ذات سيادة تعيش بسلام مع إسرائيل. أعطي الرئيس الأميركي أعلى علامات في حسن النية والرغبة في حل، إلا انني لا أجده قادراً على تحقيق سياسته في وجه لوبي (أو لوبيات) إسرائيل، والكونغرس الذي قلت دائماً انه اسرائيلي أكثر من الكنيست، وزاد إسرائيلية بعد الانتخابات النصفية. يفترض إزاء التطرف الإسرائيلي والعجز الأميركي ان تصبح المفاوضات عبثية، وهي كذلك إلا انها ضرورية حتى لا يحمَّل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشلها. الرئيس محمود عباس لديه خيارات عندما تفشل المفاوضات نهائياً، ومعلوماتي انه سيطلب من إدارة أوباما إعلان تأييدها دولة فلسطينية في حدود 1967، أو يذهب الى مجلس الأمن الدولي بطلبه هذا، أو يسعى الى قرار من الجمعية العامة يعترف بدولة فلسطينية. سألت هل يعلن أبو مازن هذه الدولة فاستبعدت مصادره ذلك، وهي أشارت الى ان المجلس الوطني الفلسطيني أعلن دولة فلسطين في الجزائر سنة 1988، وكان وزير خارجيتها أبو اللطف، وأيدت إعلانها غالبية من دول العالم، أو أكثر من الدول التي تعترف بإسرائيل. إذا فشلت مفاوضات السلام كما يتوقع الجانب الفلسطيني، وإذا لم يستطع أبو مازن انتزاع اعتراف اميركي أو دولي بالدولة، فهو سيحمل أوراقه ويعود الى بيته من دون ان يتنازل عن شيء إطلاقاً، ولو شعرة على حد قوله. المفارقة اليوم هي ان العالم الخارجي يقف مع الرئيس عباس غير ان غالبية شعبه ضده خوفاً من نتائج المفاوضات. والخوف مبرر إلا ان الرجل لم يتنازل عن شيء إطلاقاً، وهناك رهان (جنتلمان لا فلوس) بيني وبين بعض القراء فأنا أقول إنه لن يتنازل عن شيء وأنا أعرفه شخصياً وهم لا يعرفونه. المفجع في الوضع كله ان الدولة الفلسطينية ممكنة، والبنك الدولي قال في تقرير له: إذا حافظت السلطة الفلسطينية على مستوى أدائها في بناء المؤسسات وتقديم الخدمات العامة فإنها قادرة على إقامة الدولة في اي وقت في المستقبل القريب. نجاح حكومة سلام فياض في إرساء اسس الدولة يعكس خلفية رئيس الوزراء كاقتصادي قبل ان يكون سياسياً، إلا أن النجاح جاء بثمن باهظ هو تعاون أمني غير مسبوق مع قوات الاحتلال. عندما أشرت الى هذا التعاون جاءني رد غاضب هو: اسأل أصحابك في حماس عنه. أركان السلطة الوطنية يقولون ان حماس هي المسؤولة عن التعاون الأمني مع إسرائيل فهم لن يسمحوا لها بأن تدبر مقلباً ضد السلطة في الضفة الغربية كما فعلت في قطاع غزة، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. أحاول أن أبقى على مسافة واحدة من فتح وحماس، قرباً لا بعداً، وأدرك ان عند حماس مئة رد على تهم السلطة، ولعلّي أسمعها قريباً وأنقلها الى القراء، أو يجتمع الطرفان في دمشق كما نسمع ويحلان مشاكلهما. في غضون ذلك، الحكم في إسرائيل بيد يمين متطرف عنصري استيطاني يحاول ان ينتزع مزيداً من الفوائد والتنازلات من الإدارة الأميركية ليستمر في عملية السلام، فلا يكملها ويبقى ما انتزع من الأميركيين. [email protected]