هل كان أسهل على الفنان مروان محفوظ أن يعيد تسجيل أغنيته الشهيرة «يا سيف ال عَ الإعدا طايل» التي كان أنشدها في سبعينات القرن الماضي خلال مسرحية لزياد الرحباني، من أن يسعى الى تسجيل أغنية جديدة، بكلام ولحن جديديْن؟ وهل استعادة الأغنية مجدداً، وتصويرها على طريقة الفيديو كليب، يمكن أن يعيدا الحيوية إلى اسم محفوظ لدى الجمهور الجديد، والى صورته كفنان كانت له أيام معروفة مع الشهرة والأضواء؟ وهل الإصرار على هذه الأغنية بالذات، بالتسجيل الجديد، سيصمد أمام المقارنة الحتمية التي سيجريها الجمهور الذي كان سمع الأغنية في السبعينات، بين هذا التسجيل والتسجيل السابق، وستنتهي المقارنة لمصلحة صوت محفوظ... الجديد ؟ أسئلة عدة لها جواب واحد هو أنّ محفوظ، المحاصر في الموضوع الإنتاجي كغيره من أبناء جيله، لا يتحمل تسديد تكاليف أغنية جديدة كلاماً ولحناً وتسجيلاً وكليباً، فعاد إلى ماضيه، واختار إحدى أشهر أغانيه، لمحاولة الدخول الى «الساحة» ولو من باب التذكير، لا من باب المنافسة مع أحد. حصل الدخول ، لكن في حدود بسيطة. ومن هنا كان أجدى له لو أنه أتى بأغنية خاصة جديدة، ذلك أن صوت المطرب اللبناني، المحفوظ عن ظهر قلب لدى جيل السبعينات وما بعده، والمنسي أو المُغيَّب لدى الجيل الجديد، يستحق محاولة غنائية تحمل سمات معينة تناسب سِنّه وتجربته الغنية، لا أن يُستعاد الماضي كما هو، في وقت حدثت تغييرات جذرية على الواقع الفني وصورة المُغنين وملامح ذوق الجمهور وأساليب الاعلام ككل. «يا سيف العَ الإعدا طايل» أغنية أدَّاها مروان محفوظ عندما كان شاباً لا يتجاوز الثلاثين من عمره. موضوعها وأسلوبها «والعنفوان» الذي فيها يتواءم مع مؤديها ضمن مواقف مسرحية «عنترية» تترجم تحدّياً ما. محفوظ اليوم بين الستين والسبعين من العمر. موضوعه الغنائي اختلف وأسلوبه أيضاً. وما كان من «العنترية» المسرحية تحول هدوءاً وحكمة. لذا كان أكثر انتماءً الى المنطق لو أنه اختار موضوعاً غنائياً آخر. لا نعني أمراً ما غير عاطفي مثلاً، نعني العاطفة... لكن بلا «مراجل» تليق بالشباب لا بالمخضرمين ونعني العاطفة الممتلئة وجدانية. ثم أتى الكليب ليؤكّد الحاجة الى أغنية أخرى. بدا محفوظ في الكليب في غير مكانه، وحتى في غير زمانه. كانت وقفته الشبابيّة نوعاً من استعادة العمر لا استعادة الأغنية فقط، بل بمعنى أوضح كانت تلك الوقفة استعارةً للعمر وللأغنية من حيث لا ضرورة للاستعادة ولا للاستعارة. لا يستطيع وصفُ حال مروان محفوظ الذي لا يزال صوته جميلاً ومعبراً ونابضاً بالقوة، إلاّ من كابَدَ مشقة الصمت الإجباري وسط إمكانات الحنجرة المتميِّزة. مرغم محفوظ، للظروف الإنتاجية القاتلة، على أن يراقب غيره يحضر ويغني ويستمر، وأجيال خلف أجيال، وشركة إنتاج عملاقة تكتسح ثم تتراجع، ولا من يسأل عنه، أو يدق بابه. ربما هو لا ينتظر من يدقّ الباب، وأصيب بالحزن، على مقاييس وأساليب عمل «جديدة»، فاختار الابتعاد. المهم أن أغنية «يا سيف» كانت في أحسن الحالات إصداراً من... حلاوة الروح أو شق النفس. هل كان ينبغي أن «نحتفل» بأغنية محفوظ الجديدة القديمة؟ على الأقل تقديراً لتجربته، أم أن من يحمل هذا الصوت الجميل، ينبغي أن يجد طريقاًً ما للبقاء، خارج إطار تكرار محطة سابقة، ولو مضيئة!؟