عانى قطاع العقارات في إمارة دبي خلال السنتين الماضيتين في شكل لا يمكن إنكاره، فالأزمة المالية العالمية أرخت بظلالها على القطاع بقوة، ما أدى إلى تأجيل نحو 480 مشروعاً عقارياً كانت في طور التصميم أو إلغائها، وإلى توقف المصارف عن التمويل نتيجة نقص السيولة وتلاشي حركة المضاربين، إضافة إلى عجز مستخدمين نهائيين كثيرين عن الشراء أو تسديد القروض المستحقة عليهم. وفقدت الأصول العقارية في الإمارة أكثر من 50 في المئة من قيمتها منذ اندلاع الأزمة التي دفعت المطورين العقاريين ومعظم المؤسسات العاملة في دبي إلى الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين، ما زاد من تضاؤل الطلب على تملك العقارات وقلّص سوق الإيجارات. معظم خبراء السوق ربطوا بين أزمة السيولة العالمية وتراجع سوق العقارات في دبي، لكن بعضهم أكد أنها «حركة تصحيحية» كان لا بد منها، بعد ان قفزت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، مدعومة بالمضاربات التي كانت تهدف إلى الربح السريع، وبزيادة الطلب من المستثمرين الحقيقيين. لكن تراجع أسعار الإيجارات خلال هذه الفترة بمعدل تراوح بين 30 و40 في المئة، من القمة التي وصلت إليها قبل الأزمة، أدى إلى استقطاب الإمارة مستأجرين من الإمارات الشمالية ومن أبو ظبي، ودفع أصحاب العقارات الذين لم تضطرهم ظروفهم المادية إلى بيع ممتلكاتهم بأسعار منخفضة، إلى اللجوء إلى التأجير، في انتظار تحسن السوق، فيما يراهنون على تقارير محلية وعالمية تتحدث عن احتمال خروج القطاع من الأزمة أقوى وأكثر شفافية. وأكدت الشريكة في شركة «التميمي وشركاه» القانونية ليسا ديل ان قوة القطاع العقاري في دبيوالإمارات عموماً ستبرز خلال الأشهر القليلة المقبلة على مستوى حكومة دبي والحكومة الاتحادية، من خلال تنظيم حقوق مالكي العقارات في صورة واضحة. وظهر دليل آخر على أهمية دور الحكومة في استعادة الوضع الطبيعي للسوق عبر تأكيد وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان المنصوري إجراء تعديلات شاملة على عدد من القوانين الرئيسة، بدءاً من قانون الشركات التجارية وقانون المنافسة والتدقيق والتحكيم، إضافة الى قانون الاستثمار والصناعة وشهادة المنشأ، وقانون مكافحة الغش، ما من شأنه استقطاب مزيد من الشركات الأجنبية إلى البلاد، وبالتالي تحريك الطلب على العقارات. وأكد تقرير أصدرته مؤسسة «سي بي ريتشارد إليس» العالمية، ان هذه التغيرات تهدف إلى تحسين الشفافية وإيجاد بيئة تنظيمية أفضل، خصوصاً ان دائرة الأراضي في دبي تقوم حالياً بتطوير نظام إلكتروني لتنظيم عمليات البيع والشراء الخاصة بالقطاع العقاري. وعلى المستوى المحلي، قدمت مديرية الأراضي في دبي مخطط «تيسير» التنظيمي لتأمين التمويل مبدئياً ل 40 مشروعاً، هي قيد الإنشاء حالياً في الإمارة، يسمح للمصارف والهيئات المالية الأخرى بتقديم التمويل لمخططات محددة ستكون مضمونة من قبل الحكومة، إذ يمكن المشاريع التي نُفِّذ منها ما نسبته 60 في المئة وبيعت لمستثمرين، ان تحصل على التمويل. وأكدت دوائر استشارية عقارية في الإمارات، ان البنية التحتية المتكاملة، مقرونة بعدم وجود ضريبة على الأعمال، لا تزال تستقطب مزيداً من الشركات في دبي وإن بوتيرة أقل، ما من شأنه زيادة عدد السكان خلال السنوات المقبلة. لكن يبدو أن تنفيذ الإمارات قانون ضريبة السكن التي يمكن ان تبلغ خمسة في المئة من قيمة الإيجار على الوحدات السكنية اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2011، يرى خبراء العقارات أنه قد يسبب مزيداً من الإعاقة لعملية الاستثمار في سوق العقارات السكنية. وتشير إحصاءات رسمية إلى ان عدد المطورين العقاريين الحقيقيين في دبي عام 2002 لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليد، لكن عددهم تضاعف إلى عشرات خلال خمس سنوات ليصل إلى أكثر من 800 مطور، ثم تراجع إلى 400 مطوّر تقريباً بداية 2009. وعلى رغم تراجع سوق العقارات في دبي بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، لاحظ خبراء في السوق تراجعاً في وتيرة الانخفاض هذا العام، مقارنة بعام 2009. ولم ينكر الخبراء ان من شأن الفائض في المعروض ان يؤثر سلباً في السوق وفي موعد أي تعافٍ عام فيها، مع العلم أنه يُتوقَّع تسليم 35 ألف وحدة سكنية هذا العام، فضلاً عن 30 ألف وحدة إضافية العام المقبل، كما ان اكثر من 650 ألف متر مربع من مساحات المكاتب ستكون جاهزة نهاية السنة. ويبقى الطلب ضعيفاً نسبياً مع غياب المضاربين الذين كانوا في السابق القوة الدافعة الأبرز لنمو سوق العقارات في دبي، إلا ان بعض اللاعبين في السوق يؤكدون ان التوقعات بخصوص المعروض ليست دقيقة، مشيرين إلى ان كثيراً من المشاريع لن يتم إنجازها. تراجع الإيجارات ولاحظ الخبراء ظهور بعض مؤشرات التعافي بفضل الإيجارات المنخفضة التي تجتذب الشركات إلى دبي، حيث بات إرساء الأعمال أقل تكلفة بكثير مما كانت عليه الحال قبل سنتين. وتأتي هذه المؤشرات في وقت نجحت فيه دبي في تخفيف الضغط الناجم عن ديون شركاتها الكبرى، مع نجاح مجموعة «دبي العالمية» في الاتفاق مع دائنيها على إعادة هيكلة ديون مقدارها 25 بليون دولار. ونجحت حكومة الإمارة في جمع 1.25 بليون دولار عبر طرح سندات ضمن عملية رأى فيها مراقبون مؤشراً على عودة الإمارة إلى أسواق المال العالمية. وسجلت الأشهر التسعة الأولى من السنة ما يقارب 700 ألف متر مربع من المساحات الجديدة، تمثل زيادة نسبتها 14.7 في المئة، ما دفع باتجاه مزيد من التراجع في أسعار الإيجارات وزيادة في الحوافز التي يقدمها مالكو العقارات للمستأجرين. وتوقع الخبراء ان يستمر عدم التوازن بين العرض والطلب حتى نهاية السنة، ما سيؤدي إلى حركة في معدلات الإيجار نحو الأسفل. ويُتوقَّع ان يعاني قطاع العقارات السكنية مزيداً من الصعوبات خلال الربع الأخير من السنة والربع الأول من عام 2011.