قال مصدر إيراني ل «الحياة» ان طهران لا يمكنها الاطمئنان إلى المساعي الاميركية لاستئناف المفاوضات مع الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني. تريد طهران من المحادثات التي لم يُتّفق على مكانها وتاريخها وجدول أعمالها، ان تناقش الاقتراحات التي قدمتها ايران للدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا) عام 2008، فيما ترغب هذه الدول بأن تطالب ايران بتعليق نشاطات تخصيب اليورانيوم، وهذا «جوهر المشكلة العالقة بين الجانبين». ولا زال الايرانيون يطالبون الدول الست بالاعتراف ببرنامجهم النووي، بما في ذلك التخصيب، بصفته خطوة مهمة للجلوس إلي طاولة مفاوضات تؤدي الى نتائج ايجابية. وقالت مصادر ايرانية ان طهران تتواصل مع وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون، من اجل صوغ جدول اعمال المحادثات، لكنها لم تُشرْ الى توصل الجانبين الي صيغة للخروج بنتائج، تختلف عن تلك السابقة. واذا كان بعضهم ما زال يراهن علي الخيار العسكري لحسم المسألة، إلا ان بعضاً آخر يري في هذا الخيار تركيزاً للإرادة الإيرانية، ومتاهات جديدة للمصالح الغربية في المنطقة. وعلي رغم تأثير العقوبات علي الوضع الاقتصادي الايراني، إلا انها لم تستطع التأثير علي الموقف الايراني إزاء المفاوضات، اذ ان الحكومة الايرانية تراهن علي الوقت من اجل استيعاب آثار المقاطعة الاقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق بمقاطعة المصارف الايرانية. ونجحت السلطات الايرانية في الالتفاف علي هذه المقاطعة، بوسائل عدة، خصوصاً ان ثمة دولاً لا ترغب في الانضمام الى المقاطعة التي تحرمها ملايين الدولارات المتأتية من التجارة مع ايران. ولم تؤثر المقاطعة في العلاقات الاقتصادية لإيران مع دول عدة، مثل الصين وروسيا وتركيا والهند والبرازيل، خصوصاً في مجال الطاقة الذي يسيل له لعاب الشركات العاملة في هذا القطاع. وقالت مصادر ديبلوماسية أن الدول الست تعمل علي صوغ اقتراح جديد يقضي بتزويد ايران وقوداً لتشغيل مفاعل طهران للبحوث الطبية، في مقابل قبول ايران تعليقاً موقتاً لبعض مراحل التخصيب، لتأخير حصول طهران علي سلاح نووي. وتدرس «مجموعة فيينا» (الولاياتالمتحدة وفرنسا وروسيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية) كمية اليورانيوم المخصب التي على ايران مبادلتها بوقود غربي، لتشغيل مفاعل طهران. إلا ان اقتراحاً مماثلاً لن يجد له آذاناً صاغية في طهران، اذ ان طرحه خلال المحادثات السابقة لم يحصل علي نتائج ايجابية. وثمة اعتقاد بأن ظروف المفاوضات المقبلة ستكون أكثر تعقيداً، قياساً بتلك التي أُجريت في ايلول (سبتمبر) من العام الماضي، اذ ان ايران تملك الآن كمية أضخم من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، كما نجحت في انتاج نحو 30 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. وحدّدت آشتون الخامس عشر من الشهر الجاري لإجراء المحادثات مع طهران، لكن تبلّغها من أبرز المفاوضين النوويين الايرانيين سعيد جليلي موافقة طهران على استئناف التفاوض، كان علي مبدأ المحادثات، وليس علي التاريخ الذي اقترحته آشتون، وهذا ما يجعل مصير المفاوضات مجهولاً، بسبب عدم الاتفاق علي جدول أعمالها. وتسعي ايران الى الفصل بين المحادثات مع الدول الست، وتلك مع «مجموعة فيينا» لتبادل الوقود النووي علي اساس «إعلان طهران» المبرم مع أنقرة وبرازيليا. وفي هذه الأجواء، يبدو أن المشهد يشير الي ما يشبه «حوار طرشان»، خصوصاً ان بعض الدول المعنية بهذا الملف، مثل روسيا والصين، تستفيد من هذه الوضع الذي يؤمن لها مزيداً من المصالح مع طهران، كما يؤهلها لمزيد من المناورة مع الدول الغربية، وتحديداً الولاياتالمتحدة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تواجها في الشرق الأوسط. وبخلاف الظروف التي كانت سائدة في ايران في ظل الحكومات السابقة، تشهد الظروف الحالية تصعيداً متنامياً ضد الولاياتالمتحدة وسياساتها في ايران والشرق الاوسط، في اطار الحشد لاستعادة روح المقاومة التي رافقت السنوات الاولي من انتصار الثورة. واللافت ان هذه التصعيد يقوده مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي، قبل الحكومة الايرانية، وهذا ما يؤشر الي ان القيادة في طهران ليست بصدد تقديم تنازلات للغرب، سواء في الملف النووي، أو على الصعيدين السياسي والأمني.