الخليل (الضفة الغربية) - أ ف ب - ينفخ يعقوب النتشة (50 سنة) كتلة ملتهبة من عجينة الزجاج عبر ماسورة حديد لتشكيل كؤوس وكرات زجاجية، في مصنع زجاج تقليدي في مدينة الخليل، مشيراً الى ان هذه الصناعة تواجه صعوبات ومعوقات جمة. يقول يعقوب وهو يجلس أمام فرن تصل حرارته الى اكثر من الف درجة مئوية «ان ما يربطني بهذه المهنة هي المتعة في عملي وتكوين اشكال جميلة ومميزة، وليس فقط المردود المالي، وهو اصلاً ليس بكبير، حاولت تدريب ابني لمدة عامين، ولكنه لم يتحمل مشاق المهنة، وهي لم تعد تغري الشباب للعمل فيها». لكنه بدا متفائلاً حول مستقبل المهنة «طالما هناك اناس يتذوقون الفن وجودته وقيمته العالية». أما رمزي النتشة (27 سنة) فيقول: «الصعوبات تنشأ جراء الحصار الإسرائيلي، والمنافسة الصينية». وتحدث عما يسببه دخول المصنوعات الصينية من اضعاف للمهنة قائلاً: «نحن نصنع قطعة زجاجية تكلفة الواحدة منها خمسة شواقل (دولار ونصف)، والقطعة الصينية المماثلة تباع في السوق بشاقل واحد». وتساءل: «كيف سيقبل الناس على عملنا في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة»؟ ويضيف: «نصنع في اليوم الواحد مئة قطعة تأخذ جهداً كبيراً»، لافتاً الى مشقة «الجلوس امام فرن تصل حرارته الى نحو 1500 درجة مئوية». ويقول ان «الحصار الإسرائيلي المستمر وعدم وصول السياح الى المدينة يجعلاننا نصاب بالإحباط، اذ يجرى الاعتماد على التصدير لتصريف الإنتاج، فصدّرنا العام الماضي تسع حاويات، وهذه السنة ثلاثاً». وتنحصر مهنة صناعة الزجاج في الخليل في الضفة الغربية في عائلة النتشة. ويقول رمزي: «لقد توارثنا هذه المهنة عن الآباء والأجداد وهي حرفة عريقة، وأصبحت موروثاً حضارياً وثقافياً في المدينة، وعمرها اكثر من ألف عام». ويضيف: «نحن أصدقاء للبيئة، نستخدم مخلفات الزجاج من الخليل والضفة الغربية، وندّوره، وتستغرق هذه العملية يومين، وتحتاج الى حرارة 1900 درجة مئوية لصهرها، ونستورد الألوان من أوروبا». وفي مصنع زجاج آخر يبدو مهملاً ومغطى بالغبار، يقول حمدي توفيق النتشة (60 سنة) «ان 70 في المئة من انتاجنا يذهب للسياح... كان يعمل عندي حتى الانتفاضة الثانية (العام 2001) 12 عاملاً يتناوبون في ثلاث مناوبات، وكان بيع يوم واحد يكفي راتب أسبوع لكل العمال، وفي الوقت الحالي بالكاد نسد رمقنا ونؤمن مصروف البيت». وتوجد اليوم ثلاثة مصانع في كل فلسطين تتركز في مدينة الخليل، فيما كان عددها ستة قبل خمس سنوات. وتأثرت صناعة الخزف ايضاً بالحصار، اذ كان هناك نحو 30 مصنعاً للخزف في الخليل وحدها، وفي مدينة بيت لحم واحد اغلق أخيراً، وبقي عشرة في مدينة الخليل بعد الانتفاضتين الأولى والثانية».