يعتبر المواطن الخليجي والعربي بعيداً بشكل ملحوظ عن المشهد الفني العالمي في ظل غياب التجمعات الفنية البارزة والفرص المهمة لإبراز الأعمال القيمة واقتناء الجيد منها، وهو ما يخلق فرادة «فن أبوظبي 2010» في المنطقة على أقل تقدير، فالمعرض الذي انطلق في دورته الثانية يوم أمس يشكل منصة مميزة تزخر بالكثير من العناصر الفنية التي لم يسبق أن احتضنتها بيئة أخرى من قبل. وتعد مشاركة وتفاعل الجمهور من المكونات الأساسية التي تتيح لزوار «فن أبوظبي» فرصة اختبار تجربة فنية شاملة ومتعددة الأوجه. وفيما يرى البعض أن تنظيم حدث فني بهذا الحجم في الخليج العربي يأتي مستغرباً في ظل بُعد سكان منطقة الخليج عن المشهد الفني تؤكد مديرة إدارة الثقافة بشركة التطوير السياحي في أبوظبي ريتا عبده اهتمام سكان منطقة الخليج بالفن، إذ تقول ل «لحياة»: «لا يمكن القول إن الاهتمام لم يكن موجوداً. لطالما تحلت المنطقة بخامة فنية مميزة ولها طابعها الخاص، غير أن بروزها على الساحة الفنية العالمية لم يكن ميسّراً كما هو اليوم، كما أن انفتاحها على الفنون العالمية كان من نافذة ضيقة نظراً إلى عدم وجود الفعاليات والمنصات المؤاتية التي تتيح هذا التبادل والانفتاح، من دون شك تشهد أبوظبي تنامياً مستمراً للاهتمام المحلي والخليجي بالمشاركة الفنية الدولية، كما يتضح لنا جلياً الاهتمام البالغ لأبرز وجهات الفن العالمية بالمشهد الفني والثقافي المحلي والإقليمي، وهو أمر تعمل أبوظبي على تطويره وتعزيزه من خلال خلق منصات دولية في أبوظبي تشكّل بوابة بين المنطقة والعالم». وحول المشاركات الفنية في «فن أبوظبي» تقول عبده: «يمكن القول إننا نحرص على استضافة نخبة من المعارض، ولكن ذلك لا يعني الأكثر شهرة فقط، بل نسعى للبحث عن المعارض الصغيرة والمتوسطة الواعدة التي نرى فيها مستقبلاً مشرقاً، هناك معارض من أكثر من ثلاثين دولة من حول العالم ضمن منصة فن أبوظبي 2010». ريتا عبده التي ترفض التطرق للجوانب المادية والعوائد التي يجنيها «فن أبوظبي» تؤكد أن هذا الجانب على رغم أهميته لا يأتي في مقدم اهتماماتهم، «العنصر المادي مهم كما في أي من المنصات الفنية الأخرى حول العالم، غير أنه لا يحتل المرتبة الأولى على لائحة أولويات فن أبوظبي أو منظمي هذا الحدث، إن الهدف الأهم والأسمى من فن أبوظبي هو إيجاد منصة للحوار والتبادل الثقافي قادرة على تحدي القوالب التقليدية للمفاهيم الفنية السائدة، وسيتمكن قاطنو وزوار أبوظبي على حد سواء من إطلاق العنان لذائقتهم الفنية في هذه البيئة الإبداعية الجديدة، فيما تطور الأجيال الجديدة وعياً جمالياً مميزاً». ويحتضن «فن أبوظبي 2010» الذي تنظمه شركة التطوير والاستثمار السياحي وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث سلسلة من الفعاليات الفنية المبتكرة بما في ذلك المعارض، وحلقات النقاش وورش العمل التي تعتبر إحدى أهم الفعاليات هذا العام، إذ تشكل فضاءً يتيح للزوار المشاركة في عملية الإبداع الفني من خلال تفاعلهم مع مصممين عالميين، وتدير الفنانتان العالميتان هدى سميتهيزن أبي فارس وجمانة الجابري إحدى ورش التصميم، والتي تسلط الضوء على دور فن الطباعة في صياغة المشهد العمراني، وتعزز مشاركة الحضور في إيجاد عمل فني طباعي محدد يرتقي بحوارات المدينة إلى نطاق أوسع يتمحور حول الفن التشاركي في المساحات العامة. وتتضمن قائمة الفعاليات الأخرى مشاركات من استوديوهات معروفة، مثل «مؤسسة خط»، و«استوديو فورمافانتازما»، وخالد مزينة، والأخوين كامبانا. معرض «فن وأحاسيس وحوار» الذي يعتبر إحدى التجارب الممتعة لزوار «فن أبو ظبي» يحضر خلال نزهة على الشاطئ داخل متاهة من الممرات التي تتيح للزوار رحلة في عالم الفن ومجرياته، ويمثل البرنامج المتنوع الذي يشرف عليه المنسق فابريس بوستو، تحدياً ومفاجأة يومية يتجليان على شكل عروض سينمائية في الهواء الطلق، وأفلام قصيرة لفنانين مثل كميل هينروت ويانج فدونج، وسلسلة جديدة من الصور الفوتوغرافية التي التقطت بعدسة أروين وارم؛ إضافة إلى مجلس للفنانين يقدمه فنان أو فيلسوف مختلف كل يوم في جلسة نقاشية بعيداً عن الشكليات. وتنطلق في الفضاء توليفة صوتية بعنوان «صحراء الصحارى» من مجموعة «ساوندووك» التي سجلت صوت صحراء الربع الخالي والطريق الذي سلكه الرحالة البريطاني وليام ثيسجر، إلى جانب عرض شرائح متتالية بعنوان «لو أن الغد لا يأتي أبداً» للفنان القبرصي كريستودولوس بانايوتو.