لم تمر محاضرة الدكتور نايف الجهني، الناقد والشاعر وعضو مجلس إدارة نادي تبوك الأدبي التي قدمها أخيراً، مروراً عابراً، نظراً لما أثارته من جدل حاد وطرح مستمر للأسئلة حول الإبداع ومفاهيمه المختلفة. والمحاضرة التي أخذت عنوان «فلسفة الإبداع ... رؤية أخرى» جاءت عبر أسلوب سردي روائي يحمل في مضمونه الأفكار الجديدة، التي حاول المحاضر طرحها لإيضاح العلاقة بين الإبداع كحالة والإبداع كعملية، إذ قال: بالنسبة لي أرى أنه ثورة تحدث في عمليات التفكير أو خروج على نمطه يولّد كياناً جديداً. نعم هذا ما كنت أقوله قبل سنوات في اللحظة التي كنت فيها سجيناً في قفص العقل وتموجاته وأوهامه، عقل الإنسان الذي يحاول أن يصور له عمليات الإنسان والكون على أنها نتاج عقل بشري». ويصل إلى فكرة جديدة حول علاقة العقل بعملية الإبداع، قائلاً: «نتذكر كل الاكتشافات العظمى، جاءت في حالة استرخاء تام، في حالة عفوية تامة. فالفنان الحقيقي، كما يقول أوشو، يختفي من أعماله، وهو يعرف أنه لم يخلق شيئاً بل الله خلق الأشياء من خلاله، فإذا كان تواجد الفنان طاغياً في أعماله ستكون مثيرة للاشمئزاز وعصابية». وفرّق بين العقل كأداة وبين الحالة الإبداعية، التي يشترك بها الوجدان والعقل والحدس، مشيراً إلى أن الخروج على المألوف «يبعد العقل عن شروطه وأنماطه وحالته المعرفية، التي فرضها التعليم والمجتمع، مؤكداً على أن القصد في الإبداع والذهنية العالية والمعرفة تشوّه الإبداع وتحد من حيويته وحريته، وربما تكون عائقاً أمام حضوره». ومن الرؤى التي أثارت التساؤلات تأكيده على عدم حاجة المبدع للمعرفة المسبقة وحال التدين، التي يجب أن يعيشها المبدع «وهذا ما حدث مع أكثر المبدعين عندما ركّزوا على العقل وعلى قدراتهم الخاصة وعلى نفي الطاقة العظمى، وبدؤوا يمارسون الإبداع بطريقة الاستفراغ العقلي الذي هو انعكاس للجنون. إن الإبداع الحقيقي ينبع من التدين، ولأن التدين هو الاتصال بالحقيقية. وعندما تكون على اتصال بالحقيقة ينبعث الإبداع الحقيقي».