انقسمت حال المسؤولين الذين دلفوا باب التعديلات الوزارية الأخيرة، في تعاطيهم مع وسائل الإعلام، ما بين منفتحين عليها، يعلنون مفاجآت وإنجازات قادمة بين تارة وأخرى، ويتجاوبون مع استفسارات واتصالات الإعلاميين، مجيبين حيناً بشفافية، وأحياناً بديبلوماسية، بيد أنه على الطرف الآخر، هناك من تراجعت خطواته تجاه الإعلام إلى الوراء، ملتزمين الصمت أو الإعراض التام عن التصريح الصحافي، دونما إبداء وجهة نظرهم للمواطنين، وإن كان بعضهم قد أدلى بتصريحات مقتضبة غير كافية. على رغم أن التعديلات الوزارية لم يمض على إعلانها أكثر من 3 أشهر (14-2-2009)، إلا أن وزراء حازوا لقب «النجومية» نظير تعاطيهم الإيجابي تجاه وسائل الإعلام، لإيصال رسائل «مهمة» إلى الجمهور المتعطش لرؤية مشرقة تبعث على الأمل. التعيينات الأخيرة، فرضت على البعض أن تسلط عليهم الأضواء حتى الدولية منها بحسب مواقعهم ومهامهم، كنائبة وزير التربية والتعليم نورة الفايز، كون منصبها هو أعلى منصب قيادي تتقلده امرأة في السعودية، إذ تناولتها عشرات التقارير والمقالات، فيما كان هاتفها يتلقى مذ ساعة صدور قرار تعيينها عشرات الاتصالات اليومية من الإعلاميين، الذين تجاوبت مع الكثيرين منهم. ضمن هؤلاء المعينين من يمتلك «كارزما شخصية». إذ بات يعرف عنهم، تلك الجاذبية التي تجمع بين الفكر والعلم والتواضع. شرعوا أبوابهم لأسئلة واستفسارات الإعلام. وقد جاء في مقدم هؤلاء: رئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور الشيخ صالح بن حميد، ووزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، ووزير العدل الدكتور الشيخ محمد العيسى، كاشفين عن عدد من شؤون إداراتهم. «خوجة» شوهد أكثر من مرة وب «أريحية تامة» وهو يشد على أيادي صحافيين، كأصدقاء وأعضاء مهنة واحدة. لكن على النقيض من ذلك، يكاد يُنسى بعض المعينين الجدد لعدم تحدثهم للإعلام مطلقاً أو جزئياً. وجْه جديد على المنصب وجّهت إليه «الحياة»، خطاباً لإجراء حوار صحافي معه، من دون رد بالإيجاب أو الرفض، فيما كشف إعلاميون عن زياراتهم المتكررة إلى مكتبه، إلا أن الاعتذار الدائم هو الجواب النهائي لدى موظفيه. ضيوف جدد على الوزارات، كانوا حديث الناس بعد التعيين، كون وزاراتهم، تمس حياتهم وتلامس حاجاتهم على وجه أكبر؛ وفي مقدمهم وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله، ووزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة. الأول وجّه بحصر معظم التصريحات الإعلامية على إدارة الإعلام التربوي. ولم يصرّح بشكل يلبي رغبة الكثير من الإعلاميين أو يقبل بإجراء الحوارات معهم، إلا أن الرجل يتمتع بشخصية محببة، وتواضع غير متكلف. أما الثاني، فقد صرّح، أخيراً، بأنه سيمتنع عن الحديث لوسائل الإعلام، قبل 180 يوماً، لكن عُرف عن «الجراح العالمي»، ذكاءً شديداً في تعاطيه مع الإعلام. من نوادر المسؤولين الجدد تجاه الإعلام، أحدهما يرغب في الابتعاد تماماً عن وسائل الإعلام كافة، حتى إنه أمر بالتدخل السريع من إدارة العلاقات العامة والإعلام لديه تجاه تصريحه في إحدى المناسبات، مطالباً بعدم نشره غداً في الصحف، وإلا سيحملهم مسؤولية النشر. وآخر في وزارة ذات طابع خدماتي، علمت «الحياة» بتبنيه فكرة تكليف مهام العلاقات العامة والإعلام لديه إلى شركة متخصصة في هذا المجال، لإدارة الشؤون الإعلامية، والإعداد والإشراف على التقارير والتحقيقات المطبوعة منها والمتلفزة، على طريقة «إعطاء الخبز خبازه»، بعقد ربما يتجاوز ال5 ملايين سنوياً. هناك من استفاد من الإعلام من دون التصريحات المباشرة. كرئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبدالعزيز الحمين، الذي قام بإجراءين كانا كفيلين بتسلط الأضواء عليه وإدارته، طول الأسابيع الماضية، حين أعفى المتحدث الرسمي للإعلام عن منصبه، وأعبقه باستقبال بعض المتضررين من التصرفات «المسيئة» لبعض أفراد الهيئة، في مكتبه، واعتذر له. رئيس ديوان المظالم الشيخ إبراهيم الحقيل، على رغم أنه صرّح أكثر من مرة إلا أنها جاءت على عجل، إذ تبقت رغبة الكثير من الإعلاميين في طرح مزيد من الأسئلة والاستفسارات التي تدور حول الديوان. أما رئيس مجلس الشورى عبدالله آل الشيخ، فيبدو أن وسائل الإعلام ذاتها لم تحاول الالتقاء به كثيراً، كون المجلس يخرج بجلسات «ساخنة»، تملأ طاولة الصحافيين، ب«عناوين كاملة الدسم». حضور أعضاء هيئة كبار العلماء القدماء، في وسائل الإعلام المختلفة، ما زال أقوى من الأعضاء المعينين حديثاً، فيما لوحظ رغبة بعض أعضاء مجلس الشورى الجدد، رغبتهم في الحضور الإعلامي. المحافظ الجديد لمؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر، يستثمر المناسبات الاقتصادية التي تحضر فيها الوسائل الإعلامية كافة، كما يقول مقربون منه، لحشد أنماط عدة من الرؤى والمعلومات، في كلمته التي يعدها بوقت كاف. «أكاديمي»: إخفاء المعلومات» ... تقصير في حق العامة عند الرجوع إلى القاعدة التي يجب أن يطبقها المسؤول الحكومي في التعاطي مع وسائل الإعلام، هي، بحسب عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور حمزة بيت المال، «عدم حجب أي معلومة عن الإعلام، كونه يمثل السلطة الرابعة». ويضيف: «ليس من حق المسؤول رفض التعاون مع الإعلامي، لأنه يعد مندوباً للرأي العام». ودعا في حديث إلى «الحياة»، المسؤولين القدماء والجدد، إلى الانفتاح والشفافية مع وسائل الإعلام، ليوضحوا ل«الناس» ما يدور في إداراتهم، ويتحدثون عن تطلعاتهم المستقبلية، وماذا يعدون للمواطنين، وإن يشرحوا أسباب القصور،» والناس ستستوعب القصور عندما يصرح به، منبهاً إلى أن أي تقصير في الإجابة على الإعلام «يُعد تقصيراً في حق العامة». وأشار إلى أن بعض المسؤولين، يختفي أشهراً عن الإعلام، ولا يسمح إلا بنشر أخبار لا علاقة لها بشؤون الناس، كحفلات الاستقبال والتوديع، وهذا يمثل جفاءً وجفافاً إعلامياً، ليس من حقه فعله. بيد أنه حذّر الإعلاميين ذاتهم، من التجاوزات في نشر الأخبار غير الصحيحة، وأن عليهم التقيد بميثاق شرف المهنة، صدقية وأمانة ونزاهة ودقة على السواء.