بين أكوام المهملات المحترقة خارج دكان ماماكامو في ضاحية اوثيرو قرب العاصمة الكينية نيروبي، وبين ممرات المجاري المفتوحة، وفيما تلفح حرارة حارقة الأرض، يكون قد حل وقت تقديم شركة «كوكا كولا» بعض منتوجاتها. معدل الاستهلاك المحلي في كينيا للمشروب الغازي هو 39 مرة للفرد سنوياً. في بلدان أكثر تطوراً مثل المكسيك، التي تستهلك الكوكا كولا أكثر من أي بلد آخر، يحصل الفرد على 665 مشروباً سنوياً. ويبيع دكان ماماكامو 72 زجاجة في اليوم. غالباً ما يشرب الزبائن الكوكاكولا في الدكان بسبب رفضهم دفع الرهن مقابل الزجاجة. وقد حصل صاحب المحل على لقب «البائع الذهبي» من الموزع المحلي. ومحل سمانة كينغوري التي تبيع الدلاء البلاستيكية والأدوات المنزلية، وحصلت على لقب البائع الذهبي أيضاً، تلقى نصيحة من الشركة ببيع المأكولات الجاهزة إلى جانب البضائع الأخرى، لترفع نسبة مبيعات المشروب. وقدمت «كوكا كولا» لها لائحة الطعام مطبوعة وبراداً أحمر اللون. وأوضحت الشركة لها كيف تبقيه مليئاً لجذب الانتباه وكيف تضع مشروب «الكوكا كولا» دائماً في الأعلى يليه «الفانتا» ثم الزجاجات الكبيرة في الأسفل. وفي المخازن الأخرى على طريق نايفاشا وفي مختلف أنحاء أفريقيا وفي كل العالم، يظهر الترتيب ذاته في ثلاجات «الكوكا كولا». وجمع أوراق العملة «الشيلينغ» في نيروبي يشير في آن إلى التوسع الناجح لحدود إمبراطورية «الكوكا كولا» التجارية وإلى تقدمها الأخير صوب بلدان عدة مزقتها الحروب وتعاني من الفقر الشديد. وربما لا ينتحب المدير التنفيذي للشركة مختار كنت (رجل الأعمال من أصل تركي)، من عدم وجود أراض جديدة يفتحها، على غرار ما كان ينتحب الإسكندر الأكبر. لكن مع إصابة مبيعات الشركة الركود في أكثرية أسواق البلدان المتطورة – اشترى الأميركيون ما قيمته 2.6 بليون دولار من المشروب عام 1989 وبعد عشرين عاماً اشتروا ما قيمته 2.9 بليون دولار- ستعتمد «الكوكا كولا» على الدول الأفقر لزيادة أرباحها السنوية ما بين سبعة وتسعة في المئة بحسب ما تعهدت للمستثمرين. ويعني ذلك أن المتجر في ضواحي نيروبي والمحلات التي يرتادها الشبان في جوهانسبورغ وصولاً الى المتاجر العائلية، ستشكل جبهة كبرى في خطة نمو الكوكا كولا، ليس فقط عبر مشروبها الغازي الشهير بل أيضاً لمجموعتها الكبيرة من العصائر والمشروبات الأخرى والماء المعبأة في زجاجات. ومعدل استهلاك الكولا ضئيل في الهند والصين أيضاً، مقارنة مع أوروبا وأميركا اللاتينية، لكن هاتين القارتين تمثلان فرصة أقل أهمية للشركة مما تمثله أفريقيا. والسوق الصينية المعروفة بصعوبة الإبحار فيها بالنسبة الى الآتين من خارجها، باتت تعج بالمنافسين مثل مشروب «واهاها» الذي يعتبر صاحب الشركة المنتجة له زونغ كوينغهو، أغنى رجل في الصين. أما الهند فتشرب الكولا لكنها تفضل «البيبسي» التي تتمتع بشعبية جارفة في نيودلهي الى الحد الذي بات فيه اسم «بيبسي» يشير الى جميع المشروبات الغازية بما فيها الكولا. وستتابع «كوكا كولا» المنافسة في البلدين هذين، بطبيعة الحال، لكن أفريقيا التي تتمتع فيها الشركة بميزة العلامة التجارية المهيمنة والتي بدأت الطبقة المتوسطة تظهر فيها، تبدو فرصة أفضل بكثير لجني الأرباح. و «كوكا كولا» موجودة في أفريقيا منذ 1929 ويمكن العثور عليها في جميع بلدان القارة وهي أكبر صاحب عمل غربي في أفريقيا حيث يعمل فيها 65 ألف عامل موزعين على 160 منشأة. وتبلغ حصتها من سوق أفريقيا والشرق الأوسط 29 في المئة في حين أن حصة «بيبسي» 15 في المئة. وتتشكل السوق من 9.1 بليون ليتر من المشروبات تستهلك سنوياً. وقد باتت المتاجر الصغيرة في الأزقة الخلفية أهم في الوقت الذي ظهر أن رهانات كوكا كولا على أفريقيا بدأت تؤتى ثمارها وأن السوق سيظل حيوياً في الأعوام العشرين المقبلة في ظل تحسن أشكال الحكم وتزايد السكان. وتنظم «كوكا كولا» حالياً حملة من شارع الى شارع للفوز بالمزيد من المشترين محاوِلة زيادة معدل الاستهلاك السنوي لمشروباتها في بلاد لم تعتد بعد على شراء «الكوكا كولا» الفوارة بالغالونات. لتحقيق الهدف هذا تطبق الشركة الدروس التي تعلمتها في أميركا اللاتينية حيث أدى تودد الشركة لأصحاب المتاجر الصغيرة الى المساعدة في رفع مستوى الاستهلاك بالنسبة الى الفرد ليصبح المكسيكيون الأعلى استهلاكاً في العالم. وقال ند ديويز المدير في شركة «دوغلاس سي لاين اند اسوشيتيس» في نيويورك والتي تستثمر بليوني دولار وتمتلك حصصاً في «كوكا كولا» و «بيبسي»، «لن اهتم بامتلاك شركة كوكا كولا عندما لا تحصل على قارات جديدة». ويوضح فيليب غورهام المحلل المالي في «مورننغ ستار» أن أفريقيا تشكل «فرصة هائلة من الآن إلى 15 أو عشرين عاماً». وفي سعيها لتعزيز وضعها في أفريقيا تزيد «كوكا كولا» عدد منشآتها ومنتجاتها لخدمة سكان يتزايد عددهم وترتفع مستويات دخلهم. وتتوقع الشركة أن تساهم الحكومات المستقرة في السماح «للكولا» بزيادة سرعة عملها. وكان مدخول حوالى 59 مليون أسرة أفريقية يبلغ خمسة آلاف دولار على الأقل في عام 2000، والدخل هذا هو الذي يشكل النقطة التي تبدأ فيها العائلات انفاق أكثر من نصف ما تجنيه على السلع غير الغذائية، وفق تقرير حديث لمؤسسة «ماكنزي». وأشارت الدراسة الى أن العدد المذكور يمكن أن يصل الى 103 ملايين أسرة بحلول عام 2014. وتخطط كوكا كولا لإنفاق 12 بليون دولار في القارة في الأعوام العشرة المقبلة، أي أكثر من ضعف ما أنفقت في العقد الماضي. لكن يبدو أن مختار كنت على رغم سعيه لاصطياد المستهلكين لن يرى الرقم 87.94 دولار وهو الرقم الذي بلغه سعر سهم الشركة في 1998 عندما بلغت أعلى سعر لها بعد ستة عشر عاماً من قيادة مديرها التنفيذي الأسبق روبرتو غوينزولو. وبحلول 2003 كانت أسعار الأسهم أقل من نصف هذا الرقم حيث بدا أن كل شيء، من الذعر الذي انتشر من بلجيكا بسبب التلوث الى التصنيف العرقي في الولاياتالمتحدة، قد أدى إلى هبوط الأسعار. * صحافي، «بيزنيس ويك» الأميركية، الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2010