لا يزال تعافي الاقتصاد الأميركي بطيئاً، بل هو أبطأ من أن يخفض المعدل المرتفع جداً للبطالة ولو قليلاً. وجاء إثبات جديد على ذلك في أحدث الأرقام الأميركية التي لم تغيّر الصورة القاتمة القائمة منذ مطلع الربيع. فالتعافي قوي بما فيه الكفاية بحيث لا يغرق أكبر اقتصادات العالم في ركود جديد، لكنه ضعيف جداً بحيث لم يَظهَر بعد أي تقدم كبير على صعيد الانتعاش. وجاء في أحدث الأرقام الجمعة أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي محتسباً على صعيد سنوي ارتفع بنسبة اثنين في المئة فقط خلال الفصل الثالث من السنة، وذلك وفقاً لبيانات أصدرتها وزارة التجارة الأميركية. وتمثّل الأرقام تحسناً طفيفاً عن نسبة 1.7 في المئة التي نما بها الناتج في الفصل الثاني، وهو خامس نمو فصلي على التوالي. وتعزز الأرقام احتمال إقرار مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي) رزمة جديد من الحوافز النقدية خلال اجتماعه في هذا الأسبوع الأول من تشرين الثاني (نوفمبر). فالأرقام لم تحمل مؤشرات إيجابية للمستقبل يمكن أن تلغي هذا الاحتمال. وجاء الارتفاع بفضل تحسن إنفاق المستهلكين، الذي يمثّل العنصر الأبرز من بين عناصر الناتج المحلي الإجمالي، فهذا الإنفاق تقدم في الفصل الثالث بنسبة سنوية تساوي 2.6 في المئة، وهي أقوى نسبة منذ عام 2006. ومن العناصر المهمة الأخرى التي ساهمت في نمو الناتج أن الأعمال عززت مخزوناتها في الفصل الثالث، لكن هذه المساهمة مقلقة لأنها لن تتكرر على الأرجح في الفصول المقبلة، بل ويُحتمَل أن تخفض الشركات مخزوناتها بما يمكن أن يقلص نمو الناتج. وساهمت استثمارات الأعمال ونفقات الحكومة الفيديرالية في النمو أيضاً، فيما أعاقته التجارة الخارجية وقطاع الإسكان. واعترف الرئيس باراك أوباما في مناسبة حول الوظائف يوم صدور الأرقام بأن الأرقام جيدة، لكن النمو يجب أن يتعزز لخفض معدل البطالة بإيجاد وظائف إضافية. ويُعتبَر الناتج المحلي الإجمالي المقياس الأعرض للنشاط الاقتصادي، فهو يؤشر إلى قيمة البضائع والخدمات المنتجة داخل حدود بلد ما خلال فترة معينة. وينمو الاقتصاد الأميركي ولو ببطء منذ حزيران (يونيو) 2009 حين وصل الركود إلى نهايته الرسمية. وفيما نما الاقتصاد أواخر عام 2009 وأوائل عام 2010، أمل كثيرون في أن يكون النمو قوياً وداعماً لذاته. لكن فيما أنهت الأعمال إعادة بناء مخزوناتها وبدأ الإنفاق الحكومي المخصص لحفز الاقتصاد يتراجع تدريجاً أواخر ربيع هذه السنة، بدأ معدل النمو يتباطأ، واستمر هذا الوضع على ما هو عليه خلال الصيف. ويُقدَّر معدل النمو البعيد الأجل بنحو 2.5 في المئة، ويعود الفضل في هذا الرقم إلى النمو السكاني وازدياد إنتاجية العامل، ما يعني أن أي نمو يساوي هذا الرقم أو يقل عنه، كما حصل في الشهور الستة الماضية، ليس قوياً بما فيه الكفاية لإخراج الاقتصاد من الحفرة العميقة التي يقبع فيها. وفي مقارنة سريعة بحالات ركود عميقة، شهد الاقتصاد الأميركي بعد ركود عام 1982 فصولاً متتالية بلغ فيها معدل النمو خمسة في المئة أو أكثر. ولا يتوقع اقتصاديون كثيرون تراجعاً لمعدل البطالة، الذي سجل 9.6 في المئة في أيلول (سبتمبر)، في الأشهر المقبلة، بل ويتوقع بعضهم ارتفاعه بسبب المعدل الضعيف للنمو. وثمة فجوة تساوي 900 بليون دولار ما بين الإنتاج الفعلي للولايات المتحدة وإنتاجها الممكن. وكان معدل النمو في الفصل الثالث قوياً بما فيه الكفاية لمنع اتساع الفجوة، لكنه لم يكن قوياً بما فيه الكفاية لتقليصها في شكل كبير.