في أجواء توتر داخلي شديد ينذر بانشقاق فعلي في حزب «العمل» الإسرائيلي، مؤسس الدولة العبرية وأعرق أحزابها، التأم مساء أمس مؤتمر الحزب (اللجنة المركزية) للتصويت على اقتراح زعيمه إيهود باراك الانضمام إلى الحكومة التي يعمل زعيم «ليكود» بنيامين نتانياهو على تشكيلها، كما جرى التصويت على مسودة الاتفاق الذي توصل إليه طاقما المفاوضات للحزبين في شأن شروط التحالف بينهما، وعلى طلب باراك أن يقوم شخصياً بتعيين وزراء الحزب. واستُقبل باراك بصرخات تحقير من أعضاء المؤتمر. وأعلن، في خطاب مقتضب التزامه طريق حزب «العمل» والبقاء فيه حتى بعد 20 عاماً، محاولاً بذلك وضع حد للإشاعات بأنه سيترك الحزب في حال رُفض اقتراحه الانضمام إلى الحكومة. وتابع، وهو يقدّم «دفوعه» رداً على لوائح الاتهام ضده من أركان الحزب المعارضين خطوته، أن «الغالبية المطلقة من الإسرائيليين وناخبينا تريد رؤيتنا في الحكومة، لنشكل نداً موازياً لليمين المتشدد... لا عجلة خامسة في المعارضة». ونفى، والبحة تسيطر على صوته مقابل صراخ عدد كبير من الحضور، أن يكون لاهثاً وراء كرسي وزاري. وقال: «علينا أن نكون في الحكومة لنواجه التحديات الكثيرة، الأمنية وغيرها... نريد المشاركة في اتخاذ كل القرارات السياسية، وفي العملية السياسية الإقليمية مع كل الجيران ومع الفلسطينيين أيضاً». وشهد المؤتمر تراشقاً عنيفاً بين مؤيدي الانضمام ومعارضيه، وتأكد أنه باستثناء ستة نواب (من مجموع 13) مرشحين لمنصب وزير أو نائب، يعارض السبعة الآخرون في شدة الالتحاق بحكومة يمينية متطرفة لاعتقادهم بأنه لن يكون في وسع «العمل» التأثير على سياسة الحكومة، وأن جل ما يريده نتانياهو من ضم الحزب إلى حكومته هو أن تحظى حكومته بالشرعية في الداخل وأمام العالم الذي يبدي استياءه من التشكيلة المرتسمة للحكومة التي سيكون فيها زعيم «إسرائيل بيتنا» المتطرف أفيغدور ليبرمان وزيراً للخارجية. ويرى المعارضون أن رئيس الحكومة المكلف يريد أن يكون باراك «السترة الواقية الأمامية» له، وهو ما يفسر استعداد الأخير لمنح «العمل» سبع مناصب وزارية رغم ضعف تمثيله البرلماني. وبحسب الاتفاق بين «ليكود» و «العمل» الذي تم التوصل إليه بعد 24 ساعة من الاتصالات المكثفة أشرف على ساعاتها الأخيرة نتانياهو وباراك شخصياً، سيحصل «العمل» على أربع حقائب وزارية هي الدفاع (لباراك)، التجارة والصناعة، والرفاه الاجتماعي، والزراعة، إضافة إلى منصب خامس لوزير دولة. وتناول الاتفاق أساساً بنوداً تتعلق بمواجهة الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية المستفحلة من خلال وضع خطة طوارئ تحمي حقوق العمال والشرائح الضعيفة. أما الفصل السياسي فيه، فتضمن نصاً عمومياً جاء فيه أن «إسرائيل ستبلور اتفاقاً إقليمياً شاملاً للسلام والتعاون»، و «تلتزم كل الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها حتى الآن». وسيكون باراك شريكاً في العملية السياسية وفي كل حسم وكل هيئة تبحث في قضايا سياسية وأمنية. وجاء أيضاً أن الحكومة ستعمل على بسط القانون في ما يتعلق بالبؤر الاستيطانية غير القانونية والبناء الفلسطيني بلا ترخيص! وسارع مؤيدو الانضمام إلى الحكومة إلى اعتبار هذا الاتفاق «تاريخياً، لم يحصل على مثله العمل» في الحكومات الثلاث الأخيرة التي شارك فيها، كما قال وزير الرفاه يعقوب هرتسوغ الذي انتقل من «جبهة المعارضة» إلى معسكر المؤيدين بعد أن وُعد بالبقاء في منصبه. في المقابل، قالت النائب شيلي يحيموفتش قائدة جبهة المعارضة في كلمتها أمام مؤتمر الحزب أمس إنه في حال انضم حزبها إلى الحكومة، فلن يكون أكثر من «ذيْل» للأحزاب اليمينية. وأضافت: «هذه حكومة نتانياهو وحكومة ليبرمان وحكومة شاس، وخطوطها العريضة هي خطوط هذه الأحزاب، لا سياسة حزبنا». ورأى الوزير السابق أوفير بينيس، وهو أيضاً من أشد المعارضين للانضمام، أن الاتفاق بمثابة «ذرّ رماد في عيون أعضاء اللجنة المركزية ومحاولة من مؤيدي الانضمام لشراء أصوات الأعضاء بحقائب وزارية وتصريحات فارغة المضمون». واعتبر الوزير السابق ابراهام شوحط خطوة باراك «تضليلية ومعيبة، بل وصمة عار في جبين الديموقراطية وجبين الحزب ستقود حتماً إلى انهياره بغض النظر عن نتائج التصويت في المؤتمر». وأشار قياديون في الحزب إلى حقيقة أن نتانياهو فشل حتى الآن في تشكيل حكومة يمينية ضيقة بسبب خلافات مع ثلاثة من أطراف اليمين، وهذا يعني أنه في حال قرر «العمل» الانضمام فإنه عملياً يشكل بكلتا يديه حكومة يمينية برئاسة نتانياهو. ورأت المعلقة في «هآرتس» مزال معلم أن الاتفاق بين «ليكود» و «العمل» يفتقد إلى الرؤية السياسية، التي عادة ما حملها حزب «العمل» بصفته قائد معسكر السلام. وكتبت أن البنود الواردة في الاتفاق «تنطوي على صيغة إعلانية صيغت بتعابير منمّقة لكنها لا تحمل أي شيء، ما يتيح للأحزاب اليمينية المتشددة التي ستشارك في الائتلاف الحكومي العيش معها بسلام». وأضافت أن الحديث عن «سلام إقليمي» هو كلام عام لا يشير إلى جداول زمنية فيما الالتزام بالاتفاقات التي وقعتها إسرائيل «لا يحمل أي جديد علماً أن نتانياهو لم يعلن ذات يوم أنه يتنصل من أي اتفاق موقع». واعتبرت «البند الذي يتطرق إلى البؤر الاستيطانية مثيراً للسخرية لسببين، الأول مساواة وضعية هذه البؤر مع البناء غير المرخص للفلسطينيين، ثم حقيقة أن باراك كوزير للدفاع منذ عامين لم يفكك أي بؤرة استيطانية». وحمل المعلقون الأبرز في وسائل الإعلام العبرية المختلفة على باراك «الذي قبل بأن يكون ورقة التوت لعورة الحكومة اليمينية»، واتفقوا على أن اللهاث وراء كرسي وزير الدفاع، لا «المصلحة العليا للدولة» والمشاكل الاقتصادية والأمنية كما يدعي، هو الدافع الرئيس وراء هرولته إلى حكومة نتانياهو. وكتبت سيما كدمون في «يديعوت أحرونوت» أن باراك يخوض معركة «حياة أو موت». ورأت أن «الصراع الدائر هو صراع بين الأجيال: بين مجموعة أشخاص يدركون أن ذهابهم إلى المعارضة يعني نهاية حياتهم السياسية، وأشخاص يرون أفقاً أبعد من الانضمام إلى حكومة برئاسة نتانياهو... إنه حسم بين من يؤمن بأن العمل أنهى طريقه وعليه فإن الذهاب إلى المعارضة يعني الضياع، وبين من يعتقد أن في إمكان الحزب الانبعاث من جديد لكن الدخول إلى الحكومة سيشكل نهايته، نهاية تعيسة لحزب كان يوماً عظيماً ولن يحقق في الانتخابات المقبلة أكثر من خمسة مقاعد برلمانية».