الإنسان في أي مكان لا بد من أن يشاهد التطور السريع والملحوظ في الحياة، والذي تفرزه التكنولوجيا بجميع أسلحتها، نظراً لأنها تتقدم بشكل مبهر ولافت للنظر، فالحاسب الآلي عندما بدأ يغزو الأسواق العالمية ومن ثم العربية، كان الناس يتعاملون مع الحدث على أنه شيء غريب، كون الحاسوب يقوم بأعمال كثيرة وفعالة. اذ بإمكان الإنسان المتمكن من استخدامه إنجاز عمل أكثر من شخص أو موظف، بحسب الاختصاص، بينما ركّز بعض أرباب الأعمال في القطاع الخاص على وجه الخصوص على إدراك أهمية هذا الابتكار، الذي قلص وبشكل كبير عدداً من العمالة، سواء الوطنية أم الوافدة. اذ يتم تدريب بعض الموظفين المؤهلين على استخدام هذا الصندوق ذي المفاتيح البيضاء. لكن تطورت التكنولوجيا بهذا الشكل الفظيع جداً ما بعد الحاسب الآلي، إذ كنا في السابق وقبل حوالى عقدين من الزمن نقوم بتجسيد العادات والتقاليد، وذلك بتبادل التهاني والتبركات مع الأهل والأحباب والأقارب حية ليس على الهواء، بل وجهاً لوجه في كل مناسبة جميلة وسعيدة. وكذلك الاحداث الأخرى التي لا يتمناها الإنسان، مثل القيام بواجب العزاء، وتخفيف الآلام عن الآخرين في مصابهم الجلل. ولكن اليوم تجد أن التقنية الحديثة أفسدت الروح الاجتماعية لدينا، وأسهمت في تبديل العادات والتقاليد الجميلة والعريقة تلك بمواد أخرى جعلتنا اتكاليين أكثر مما نتصور، اذ قام الجوال وابنته الرسالة القصيرة بعمل كل ما يجعلنا مرتاحين، لأننا اتكاليون على الهاتف الجوال في كل شيء، ناهيك عن أن البعض يقوم بإرسال رسالة تهنئة بالمناسبة لأخيه أو أحد أقاربه المقربين جداً منه وهو في المدينة ذاتها، ولا يفصل بينهما سوى بعض الشوارع وليست الأحياء. فلنفترض أن خدمة الهاتف الجوال لم تدخل المملكة بعد، فكيف سيكون الوضع؟ الوضع سيكون طبيعياً وأفضل مما هو عليه الآن، اذ إن هذا الشعب الطيب الممزوجة بالتمسك بعاداته وتقاليده التي ورثها عن آبائه وأجداده، لن يتخلى عن تبادل التهاني بقدوم شهر رمضان الكريم، وعيد الفطر السعيد، وعيد الأضحى المبارك، وغيرها من المناسبات الجميلة، اذ يقوم كل إنسان بتقديم الواجب، وهو يستنشق رائحة العطر والعود وعبق الأصالة، بدلاً من إرسال رسالة ملوثة ببكتيريا التقنية وجراثيم الحضارة.