حين نسمع أنّ ميشال جبر يقدّم مسرحية جديدة سرعان ما نبني آمالاً كثيرة عليها فهذا المخرج الطليعي لم يقدّم عملاً مسرحياً منذ أكثر من سبعة أعوام. ولكن من أخطر ما يمكن أن يواجهه عملٌ مسرحي هو «الإنتظارات»، فكل فرد من الجمهور يأتي ليشاهد أمراً يفضّل مشاهدته، فإذا كان مغايراً لتوقعاته، يصاب بخيبة أمل، وهذا ما يمكن أن يحصل إن أتى شخص إلى مسرحية «شي غريب»، انطلاقاً ممّا كُتِب على الملصق الإعلاني «كوميديا عن قصص الكاتب الروسي أنطون تشيخوف» (مسرح بيريت). وإذا كان المُشاهِد ينتظر أن يضحك كثيراً في هذا العمل فإنّه سيخرج من العرض عاقد الحاجبين، غير راضٍ البتة، حتى أنّه لن يستطيع أن يرى إيجابيات المسرحية، ولذلك فمن الأفضل أن يأتي المرء إلى «شي غريب» من دون توقعات حتّى يخرج من الصالة راضياً. يعود ميشال جبر بحماسة إلى المسرح مخرجاً وممثلاً في الذكرى المئة والخمسين لولادة الكاتب الروسي أنطون تشيخوف ليحتفل مع العالم كلّه في هذه المناسبة، فيبدأ بتقديم مسرحية «شي غريب» التي لا تخرج عن نمط تشيخوف، بحيث لا نجد بطلاً واحداً في أعماله، وشخصيّاته لا تكون شريرة في المطلق أو حسنة في المطلق، بل هي تعيش في الظروف المتوافّرة لها. إنها شخصيّات تحاول أن تتأقلم مع كلّ ما تقدمه لها الحياة من حسناتٍ وسيئات. هكذا يبدأ جبر مسرحيته بمشهد للممثل جوزيف ساسين الذي يتحاور مع كلبٍ في موضوع الوجود والعلاقات الإنسانية قبل أن يمرر الدور للمشهد التالي. حاول المخرج أن يربط بين المشاهد المأخوذة عن قصص مختلفة من خلال مونولوغات جوزيف ساسين الذي كان يطل بين مشهد وآخر ليتابع حديثه مع الكلب، لكن المشكلة أنّ صلة الوصل لم تكن مُحكمة بحيث لم يستطع الجميع رؤيتها. المواضيع المختارة في هذه المسرحية تهم كلّ إنسان ويمكن أن تلامس كلّ شخص لأنّها مستمدّة من واقع نعيشه في كلّ زمان ومكان، لكن الحوارات بقيت بعيدة قليلاً عن الكلام العادي الذي نستعمله في الواقع، فاصطبغ بلغةٍ أدبية قريبة من الفصحى. وقد يكون ذلك من الأسباب التي حالت دون شدّها لجميع المشاهدين، فشعر بعضهم في أكثر من مشهد بأنّ التواصل بينهم وبين الموجودين على الخشبة يتقطّع لئلا نقول ينقطع، وهنا نصل إلى نقطة أخرى مهمة هي أداء الممثلين. صحيح أنّ بعضهم لفت الإنتباه طيلة فترة تواجده على الخشبة، لكنّ بعضاً آخر وقع في مطبّ المبالغة فزاد في التسبب في انقطاع التواصل. دياموند بو عبود، يمنى بو حنا، أندريه ناكوزي، نسرين أبي سمرا، ورامي عطالله، إضافة طبعاً إلى جوزيف ساسين، هم ممثلون شاهدناهم سابقاً في أعمال أخرى وكان أداؤهم جيداً، ويمكن أن نفهم مدى صعوبة الأداء في هذا العمل لكاتب يخلق تفاصيل كثيرة في شخصياته، حيث الباطني أكثر من الظاهر، مع مخرج لم يهتم كثيراً بالديكور والإضاءة وبالعوامل الأخرى المساعِدة، بل اعتمد في شكلٍ أساسي على إحساس الممثل. طبعاً هذه الطريقة في الإخراج هي سيف ذو حدّين وهي مخاطرة كبيرة بحيث يمكن أي خلل في الأداء أن يسبّب في تزعزع العمل بكامله. صحيح أنّ جبر عمل في شكلٍ مكثّف على إدارة ممثليه وعلى إدارة الممثل في داخله بما أنّه شارك في التمثيل أيضاً. «شي غريب» هو عمل مسرحي يبتعد عن السائد حالياً في المسارح، فكأنّه يغرّد وحيداً خارج السرب، وهذه الصفة يمكن أن تكون ميزةً أحياناً أو أن تكون ثغرة في أحيانٍ أخرى تبعاً لما يريده المخرج. هل يريد أن يصل إلى أكبر شريحة من المشاهدين أو يكتفي بأن يقصده الخاصّة من الجمهور؟ ربما كان على المخرج أن يقيم توازناً أكبر كي يجمع جمهوراً مختلطاً من الخاصّة والعامّة فيقصّر مدّة العرض ويشدّ المشاهد التي تحتمل حذف بعض تفاصيلها فلا يقتصر الإعجاب والتصفيق على المتعمّقين في المسرح.