«مؤامرة ريسين» هي قضية مرتبطة بالإرهاب وصلت إلى المحكمة في بريطانيا عام 2005 خلال حقبة «الحرب على الإرهاب» التي تلت اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في الولاياتالمتحدة. أما الريسين فهو سمّ يُستخرج من بذور نبتة زيت الخروع، وقد كشفت شرطة مكافحة الإرهاب عن «مصنع لسمّ الريسين» حين دهمت في 5 كانون الثاني (يناير) 2003 شقة فوق صيدلية في منطقة غرين وود شمال لندن، بعد أن زوّدتها السلطات الجزائرية بمعلومات في هذا الشأن. ونقلت وسائل الإعلام بعد يومين من الدهم أنّ الشرطة عثرت على سمّ الريسين في الشقة وأنّ بريطانيا كانت واقعة تحت خطر التعرض لهجوم بالسمّ. ونشرت صحيفة التبلويد «ديلي ميرور» في صفحتها الأولى صورة جمجمة وعظام متصالبة وُضعت على خريطة بريطانيا، وكتبت العنوان الرئيس الآتي: «العثور على سمّ قاتل في بريطانيا: لقد أصبح هنا!». وخصصت ستّ صفحات لتغطية «مؤامرة ريسين». ولكن، تبيّن خلال «المحاكمة في قضية الريسين» أنّ هذا السمّ لم يكن موجوداً في الشقة أصلاً. وقد استخدم رئيس الوزراء البريطاني في حينه توني بلير ووزير الخارجية الأميركي كولن باول عملية الكشف عن «خلية الريسين» التابعة لتنظيم «القاعدة» وعن اكتشاف سمّ الريسين، من أجل تعزيز قضيتهما القائلة بضرورة القيام بتحرك عسكري ضد العراق، مع العلم أنه بدأ في 20 آذار (مارس). وأعلن كولن باول في 5 شباط (فبراير) 2003 في مجلس الأمن أنّ «خليّة الريسين» جزء من شبكة دولية تضمّ تنظيم «القاعدة» والعراق، وأنّ «عضواً في تنظيم «القاعدة» تمّ اعتقاله «قدّم المعلومات المتعلقة ب «خلية السمّ في المملكة المتحدة». إلا أنّ باول لم يكشف عن اسم هذا العضو بل افترض أنه رجل جزائري يُدعى محمد مورقيبة، مع العلم أن الرجل اعتقل ثم أطلق بكفالة في بريطانيا في أيلول 2002. وقد فرّ إلى الجزائر حيث تمّ اعتقاله واستجوابه وربما تعذيبه. وكانت الشرطة الجزائرية السرية قد حذّرت بريطانيا في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2002 من إمكان حصول اعتداء بغاز سامّ «في الأيام القليلة المقبلة». وإلى جانب استخدام قضية الريسين من أجل تعزيز تحرك عسكري ضد العراق، شكّلت قضية الريسين أيضاً جزءاً (من الذرائع لسنّ قانون بريطاني أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي قلّص الحريات المدنية. وفي إطار «المحاكمة في قضية الريسين» التي بدأت في أيلول 2004، تمّ اتهام أربعة جزائريين ب «التآمر للقتل» و «التآمر لارتكاب أذى عام». وتمّ التخطيط لأن تلي المحاكمة الأولى في قضية الريسين محاكمة ثانية لأربعة جزائريين آخرين. بلغت مدّة المحاكمة التي تولتها هيئة المحلفين، سبعة أشهر وكلّفت 20 مليون جنيه إسترليني. وأظهرت الدلائل التي قدمها مركز الأبحاث العسكرية التابع للحكومة «بورتون داون» في المحاكمة أنّ سمّ الريسين لم يكن موجوداً في الشقة أصلاً. وتوقّعت الحكومة والشرطة وقوات الأمن البريطانية بأن تتمّ إدانة المدعى عليهم الخمسة وبأن يشكّل ذلك نجاحاً أساسياً في إطار «الحرب على الإرهاب». ولكن، فوجئ الجميع حين أعلن لورانس آرشر في 8 نيسان (أبريل) 2005 وبعد المشاورات التي أجرتها هيئة المحلفين على مدى 17 يوماً «براءة» أربعة من المتهمين الخمسة، وهم مولود سيهالي وداود خليف وسيد علي فداق ومصطفى طالب. كما وجدت هيئة المحلفين المدّعى عليه الخامس وهو كامل بورقاس مذنباً بتهمة التآمر لارتكاب أذى عام من خلال استخدام المتفجرات أو السمّ لنشر الخوف أو زعزعة الاستقرار. وحكم عليه القاضي بالسجن 17 سنةً. إلا أنّ هيئة المحلّفين لم تتمكن من التوصل إلى حكم في ما يتعلق بالتهمة الأكثر خطورة الموجهة إلى بورقاس وهي التآمر للقتل. وتمّ العدول عن إجراء محاكمة ثانية لأربعة جزائريين آخرين وعن إعادة محاكمة بورقاس بتهمة التآمر للقتل. وبعد أن انتهت المحاكمة، شعر لورانس آرشر وبعض الأعضاء في هيئة المحلفين في المحكمة بالقلق بسبب بعض وجوه المحاكمة وبسبب التغطية الإعلامية غير الدقيقة والمبالغ بها. فقد أدركوا أنّ السلطات البريطانية كانت تعامل الجزائريين الأربعة الذين برّأتهم هيئة المحلفين كما لو أنهم لا يزالون مشتبهاً فيهم كإرهابيين، وكأنّ السلطات اعتبرت أنّ هيئة المحلفين أصدرت أحكاماً «خاطئة». وعلم أعضاء هيئة المحلفين أموراً كانوا يجهلونها خلال المحاكمة، فلم يكونوا على دراية مثلاً بأنّ بورقاس كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 22 سنة لأنه تسبب بمقتل الشرطي ستيفن أوك وبجرح ثلاثة رجال شرطة آخرين خلال محاولة لاعتقاله في مدينة مانشستر في 14 كانون الثاني (يناير) 2003. وحصلت محاكمة بورقاس وإدانته على هذه الجريمة عام 2004 إلا أنّ وسائل الإعلام لم تغطِّ هذا الموضوع لئلا تضرّ بسير المحاكمة في قضية الريسين. وحين اكتشف آرشر وبعض من زملائه في هيئة المحلفين أنه تمّ تهديد الرجال الذين أعلنت براءتهم بترحيلهم إلى الجزائر، تحدثوا عن الموضوع في المقابلات الصحافية وفي الأفلام الوثائقية التي عرضت على التلفزيون من دون الكشف عن هويتهم. وفي خطوة هادفة إلى مدّ يد الصداقة للرجال الذين تمّت تبرئتهم، قرّروا أن يحاكموهم وأن يلتقوا بهم. وبعد سنة من انتهاء المحاكمة، نجح آرشر وعضوان من هيئة المحلفين في لقاء مصطفى طالب في جلسة استماع خاصة بطلب اللجوء السياسي، وبعد أيام قليلة تناولوا الغداء مع سيهالي وخليف وناقشوا القضية. ومنذ ذلك الحين، قام آرشر وبعض من أعضاء هيئة المحلفين بزيارة سيهالي وتقربوا منه وقدموا له الدعم في نضاله ضد مخططات الحكومة الرامية إلى ترحيله إلى الجزائر. واليوم، ألّف لورانس آرشر كتاباً بالاشتراك مع الصحافية المتخصصة في الشؤون القانونية فيونا باودن، وقد نشرته أخيراً دار النشر اللندنية «بلوتو بريس» في عنوان «ريسين! القصة الحقيقية للمؤامرة الإرهابية التي لم تكن موجودة». وكتب المحامي الشهير في مجال حقوق الإنسان ومستشار الملكة مايكل مانسفيلد الذي دافع عن سيهالي خلال محاكمته، مقدّمة الكتاب. يروي الكتاب للمرة الأولى القصة الكاملة لما سميّ ب «مؤامرة ريسين» والمحاكمة ومصير المدّعى عليهم الأربعة منذ أن أعلنت هيئة المحلفين براءتهم. ويقال إنه أول كتاب يؤلفه عضو سابق في هيئة المحلفين حول قضية في المحكمة البريطانية (على رغم أنّ القواعد القانونية الصارمة تنص على السرية التي يجب أن تتوخاها هيئات المحلفين، وعلى رغم عدم السماح لآرشر بأن يكتب أيّة تفاصيل لنقاشات هيئة المحلفين في الغرفة خلال المحاكمة). وآرشر (56 سنةً) مهندس اتصالات لا يملك تاريخاً سياسياً. وقال ل «الحياة» إنّ المحاكمة كانت بمثابة تجربة غيّرت حياته. فلم يكن يهتم قبل المحاكمة بالسياسة وكان دوره يقتصر على التصويت في الانتخابات، مضيفاً «لقد جعلتني المحاكمة أفهم عدداً كبيراً من الأمور وبتُّ واعياً سياسياً أكثر من ذي قبل». وعند إطلاق الكتاب خلال حفلة استقبال في وسط مدينة لندن، توجهت فيونا باودن إلى الضيوف بالقول: «أظنّ أنّ كل شخص يعرف قصة محاكمة مؤامرة ريسين سيفاجأ بالطريقة التي استغل فيها السياسيون والشرطة وقوات الأمن هذه القضية، وبالوقع الذي خلفه ذلك على حياة المدعى عليهم الذين تمت تبرئتهم». وحضر إطلاق الكتاب أبرز المحامين في مجال حقوق الإنسان في بريطانيا ومنهم مانسفيلد والسادة غاريث بيرس وعمران خان ولويز كريستيان وماثيو رايدر ومستشار الملكة الفلسطيني ميشيل عبد المسيح الذي دافع عن بورقاس، كما كان مولود سيهالي حاضراً أيضاً. واتخذت حكومة حزب العمّال السابقة خطوات من أجل تقليص حقّ هيئة المحلّفين في المحاكمة والسماح للقضاة فقط بالاستماع خلال جلسات المحاكمات. وأشارت باودن إلى أن الوجه الإيجابي في قضية ريسين يتمثّل في «الردّ القوي على الأشخاص الذين يسعون إلى الاحتيال على نظام هيئة المحلّفين أو الذين يعتبرون أن هيئات المحلّفين ترف لم يعد بوسعنا أن نحظى به لا سيما في البيئة الحالية، أو أنّ أعضاء هيئة المحلّفين ليسوا مجهزين ليفهموا قضايا معقدة أو مسائل سياسية». وأضافت باودن أنّ هيئة المحلفين كانت الوحيدة التي فهمت القضية فيما تأثر الآخرون بالبلبلة التي أثارها «مصنع الموت» وبعناوين الصحف الرئيسة. وتابعت بالقول «لقد نظرت هيئة المحلفين في الدلائل وتوصلت إلى براءة المدعى عليهم، وأنا أظن أنه يجب أن نفتخر بذلك وأن نحتفي به وأن نكون مستعدين أيضاً للدفاع عنه». وطرح مانسفيلد في مقدمة الكتاب ثمانية أسئلة «مزعجة» حول القضية لم تتمّ الإجابة عنها، مع العلم أنها مهمة جداً «مرتبطة إلى حدّ بعيد بوحدة أنظمتنا السياسية والقضائية». فلماذا لم يقم توني بلير وكولن باول بتصحيح مزاعمهما الكاذبة في شأن وجود سمّ «الريسين» في مرحلة التحضير لحرب العراق؟ وعلى أيّ أساس قامت شرطة «الميتروبوليتان» ووزير الداخلية تشارلز باستخدام قضية الريسين لتبرير الدعوة إلى احتجاز المشتبه فيهم بالإرهاب على مدى 90 يوماً من دون أي تهمة؟ لقد تمّ استبعاد وسائل الإعلام من المحاكمة في قضية الريسين لئلا يضرّ ذلك بمحاكمة الجزائريين الأربعة في قضية الريسين الثانية التي تمّ التخطيط لإجرائها وتمّ العدول عنها لاحقاً. ووجد آرشر وزملاؤه في هيئة المحلفين أنّ معظم ما نقلته وسائل الإعلام بعد انتهاء المحاكمة كان غير دقيق ومبالغاً فيه، فقد وصفت وسائل الإعلام بورقاس على أنه عضو في تنظيم «القاعدة». وذكرت صحيفة التبلويد «صان» أنّ بورقاس كان المسمم الرئيسي المعتمد من «أسامة بن لادن وقد أوكل مهمّة قتل أكبر عدد ممكن من البريطانيين». في الواقع، لم يذكر أي رابط بين الرجل المتّهم وتنظيم «القاعدة» خلال المحاكمة. وأكدت المحاكمة أنه لم يتمّ العثور على سمّ الريسين في الشقة الواقعة في منطقة «وود غرين». فمن أين أتت التقارير المتعلقة بالريسين؟ صحيح أن حين تمّ دهم الشقّة وجد عالم من «بورتون داون» إشارات إيجابية ضعيفة على وجود سمّ الريسين في الهاون والمدقة بعد أن أجرى اختبارات أولية. إلا أنّ الاختبارات الإضافية على السمّ بعد أيام قليلة في «بورتن داون» كانت سلبية، فلم تكن الشقة تحتوي على سمّ الريسين. والغريب أنّ مركز «بورتون داون» لم يخبر الشرطة أو وزراء في الحكومة عن النتيجة السلبية لسمّ الريسين إلا بعد مضي أكثر من شهرين، في 20 آذار 2003. فما كان سبب هذا التأخير الطويل؟ حتى أنّ الحكومة والشرطة لم يصحّحا علناً التقارير السابقة القائلة بوجود سمّ الريسين. وعلى رغم أنّ شرطة مكافحة الإرهاب لم تعثر على سمّ الريسين في الشقة إلا أنها وجدت مواد مشتبهاً فيها تضمّ وصفات مكتوبة بخط يد بورقاس لصناعة السمّوم والمتفجرات. كما أنها عثرت على 22 بذرة خروع وعلى عدد قليل من نوى الكرز وبذور التفاح والأسيتون ومعدات لقياس الوزن وعلى ميزان للحرارة. كما عثرت على مبلغ نقدي قيمته 4 آلاف جنيه إسترليني. لم يكتب بورقاس وصفات لصناعة سمّ الريسين فحسب بل للسيانيد (المستخرج من بذور الفاكهة) وللبوتولينوم (المستخرج من اللحم المتعفّن) ولسمّ النيكوتين (السيجارة) وللسولانين (سمّ البطاطا). كما وجدت الشرطة قدراً من كريم البشرة «نيفيا» يحتوي على طين بني اللون ومن المرجح أن تكون هذه محاولة لصناعة سمّ النيكوتين. و «اعترف» مورقيبة للجزائريين حين استجوبوه أنه وبورقاس كانا يتدربان ليصبحا خبيرين في صناعة السموم في معسكرات الإرهاب في أفغانستان. وقيل إنّ الوصفات التي نسخها بورقاس أتت من موقع تنظيم «القاعدة» الإلكتروني أو من كتيّب، إلا أنّ الوصفات كانت بسيطة، مع العلم أنّ الصحافي الاستقصائي دونكان كامبل قدّم دلائل خلال المحاكمة تشير إلى أنّ هذه الوصفات أتت من مواقع إلكترونية تابعة لليمينيين في أميركا، وعلى رغم أنّ بورقاس ومورقيبة ارتكبا أعمالاً سيئة، إلا انهما مجرد هاويين وليس اختصاصيين. وخلال المحاكمة، حاول بورقاس وضع اللوم على مورقيبة. فكانت بصمات هذا الأخير موجودة على وصفات صناعة السمّ. وأعلن بورقاس خلال المحاكمة أنّ المواد المشتبه فيها التي وجدت في الشقة هي ملك لمورقيبة. كما زعم بورقاس أنه نسخ الوصفات بناءً لطلب مورقيبة الذي كان يريد أن يستعين بها القرويون في منطقة ستيف في الجزائر لحماية أنفسهم. ووصف آرشر وباودن في كتابيهما مورقيبة على أنه «شبح حفل العشاء» في المحاكمة (بالإشارة إلى مسرحية شكسبير «ماكبث»). وعلى رغم أنه لم يحضر إلى المحاكمة وظلّ في الجزائر، فقد طغى ذكره حتى في غيابه على الدعوى القضائية «مع العلم أن الادعاء وصفه بأنه العقل المدبر الخطر الذي يقف خلف المؤامرة». وعندما ألقت الشرطة القبض على مورقيبة وعادت وأطلقت سراحه بكفالة في أيلول 2002 وجدت عنوان سيهالي في محفظته، وبالتالي تمّ اعتقال سيهالي وخليف اللذين كانا يحملان جوازي سفر مزوّرين. وتمّ اتهام سيهالي وخليف بارتكاب عمل إرهابي واعتقالهم في سجن «بلمارش» الشديد الحراسة بانتظار محاكمتهما، وحُكم على سيهالي بالسجن 15 شهراً بسبب حيازة جوازات سفر مزوّرة. وعُثر بحوزة خليف على نسخ من وصفات لصناعة السمّوم والمتفجرات مكتوبة بخط اليد باللغة العربية، واكتشف في ما بعد أنها نسخ من الوصفات التي نقلها بورقاس. وكان «اعتراف» مورقيبة في الجزائر الأساس لإجراء الاعتقالات التي أدت إلى المحاكمة في قضية الريسين. لكن، إلى أيّ مدى يمكن الاعتماد على دلائل تمّ الحصول عليها من الاستجواب في ظلّ التعذيب ربما؟ لقد تمّ إخراج هيئة المحلفين من المحكمة لمدة طويلة خلال المحاكمة فيما كان القاضي والمحامون يقدّمون ذرائع قانونية حول الدلائل التي يُسمح باستخدامها. وفي النهاية، لم يتمّ استخدام الدلائل التي قدمّها مورقيبة بعد أن اعتبر القاضي أنها غير مقبولة. وأشار محامي الادعاء نيغيل سويني إلى أنّ مورقيبة رجل كاذب وأنّ الدلائل التي قدّمها غير موثوق بها. أما آرشر وباودن فلم يبرّئا المدعى عليهم الجزائريين بالكامل. إذ إن أحدهم (مصطفى طالب الذي منح حق اللجوء السياسي عام 2000) موجود في بريطانيا بطريقة شرعية. ويذكر الكتاب أن هؤلاء الرجال خبروا الحرب الأهلية الجزائرية الوحشية التي دفعت عدداً كبيراً من الشباب الجزائريين إلى الرحيل عن بلدهم. وكان معظمهم يحمل جوازات سفر وهويات مزورة وهويات متعددة، الأمر الذي يعتبر مريباً، لا سيما بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول. ويقدّم الكتاب مثالاً عن التغطية الإعلامية المضللة وغير الدقيقة. فبدأت وسائل الإعلام تغطي ما حصل مع سيهالي وخليف بطريقة مبالغ فيها قبل اكتشاف «مصنع» الريسين وبعد أن تمّ اعتقال سيهالي وخليف في أيلول 2002 واتهامهما بحيازة هويات مزوّرة. وفي 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، في اليوم الذي سبق مثول سيهالي وخليف أمام المحكمة المتعلقة بالهويات المزورة، وصفت الصحف الرجلين بأنهما إرهابيان تابعان لتنظيم «القاعدة» خططا لرمي غاز في قطار الأنفاق ورمي مادة السيانيد أو زرع متفجرة في قارب. ومن غير الواضح مصدر هذه الروايات الغريبة. ورفض وزير الداخلية حينها ديفيد بلانكيت التقارير الخاصة بالاعتداءات بالغاز معتبراً أنها «هراء»، إلا أنه أضاف أنّ الشرطة احتجزت «الأشخاص الذين كانوا يخططون لإرساء خلية لتهديد بلدنا». في الواقع، تمّ اتهامهما بحيازة جوازات سفر مزوّرة. ولم يكن حكيماً أن يدلي وزير داخلية بتصريحات مماثلة لأنها كانت ستعرّض أي محاكمة في المستقبل للشبهة. ويتطرق الكتاب إلى مصير كل من الرجال الأربعة الذين تمت تبرئتهم. ومن بينهم سيد علي فداق الذي كان يبلغ 17 سنةً في وقت إجراء المحاكمة والذي نجح في إعادة بناء حياته. لقد تزوج بامرأة جزائرية الأصل كما أنه يدرس الحقوق ويعمل في مطعم للبيتزا وينتظر نتيجة طلبه للجوء السياسي. وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2008، حصل خليف على حق البقاء في المملكة المتحدة لمدة خمس سنوات، مع العلم أنه يمكن التمديد في حال لم يتسبب بأي مشاكل. إلا أنّ الأمور كانت أصعب بالنسبة إلى سيهالي وطالب، ففي 15 أيلول 2005، أي بعد شهرين على التفجيرات الانتحارية في لندن في 7 تموز (يوليو) التي قتل فيها 52 شخصاً بريئاً، دهمت الشرطة منزلَي سيهالي وطالب وأعلمتهما بأنهما يهددان الأمن القومي وسلمتهما أوامر تقضي بترحيلهما. وتمّ احتجازهما في سجن «بلمارش» لمدة أربعة أشهر من دون أي تهمة، وعند إطلاق سراحهما وُضعا تحت السيطرة، وكانا يناضلان ضد قرار ترحليهما إلى الجزائر الصادر عن اللجنة الخاصة للاستئناف في قضايا الهجرة حيث يتمّ الاستماع إلى الاستخبارات بسرية. وعلى مرّ السنوات الخمس الأخيرة تمّ احتجاز طالب مرات عدة في سجن «لونغ لارتين» أو وضعه تحت السيطرة في بلده. واعتبرت اللجنة الخاصة للاستئناف في قضايا الهجرة في أيار (مايو) 2007 أن سيهالي لا يشكل خطراً على الأمن القومي إلا أنّه لا يزال يواجه خطر ترحيله. وفي أيار 2010، خسر الاستئناف ضد القرار القاضي بترحيله، إلا أنه حصل على حقّ استئناف قرار اللجنة الخاصة للاستئناف في قضايا الهجرة. * صحافية بريطانية