عزز حكم نهائي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في مصر أمس ب «بطلان» اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مصر مع المملكة العربية السعودية وتضمن نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، تنازع الاختصاصات بين السلطة القضائية والتشريعية، بعدما ظهر أن السلطة ألقت بكرة حسم الجدل في الملف على المحكمة الدستورية العليا التي ستبدأ في 12 الشهر المقبل النظر في طعون قدمتها الحكومة بعدم اختصاص المحكمة الإدارية في الفصل بالاتفاق، والبرلمان الذي انقسم نوابه حول «اختصاصه في إقرار الاتفاقات الدولية»، لكن تحالف الغالبية (دعم مصر)، أكد أن مناقشة البرلمان الاتفاق الذي أحيل عليه نهاية الشهر الماضي «حق أصيل». وكانت المحكمة الإدارية العليا عقدت جلسة أمس، وسط إجراءات أمنية مكثفة، وفي حضور عشرات النشطاء المعارضين للاتفاق، قبل أن يتلو رئيس المحكمة القاضي أحمد الشاذلي، الذي رفض طعون الحكومة على حكم أول درجة ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية المشتركة مع السعودية، تثبيت الحكم، الذي جاء بإجماع آراء أعضاء المحكمة، بشكل نهائي وبت بطلان الاتفاق، ولا يجوز الطعن فيه. وقال رئيس المحكمة في كلمة استهل بها النطق بالحكم إن شعب مصر أصدر دستوراً جديداً استتبعه بنظام قانوني جديد، وأن هذا النظام لازمه فكر قانوني جديد مع تمسكه بثوابت التفكير القانوني، ومنها إعادة تنظيم سلطات الدولة وترسيخ مبدأ سيادة الشعب وسيادة القانون. وأكد أن المحكمة أعدت حكمها في 59 صفحة وقد وقر واستقر في عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية أثر للسيادة المستقرة، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أو شيء آخر يغير أو ينال من تلك السيادة المستقرة. (راجع ص9) وأثار تعاطي البرلمان مع الحكم القضائي انقساماً بين النواب أمس، فبينما أكد عضو اللجنة التشريعية في البرلمان النائب ضياء الدين داوود، أنه بعد حكم المحكمة الإدارية العليا «أصبح الاتفاق منعدماً ولا يجوز للبرلمان نظره». كما أشار رئيس حزب «الإصلاح والتنمية» النائب محمد أنور السادات إلى أنه في ضوء الحكم «يجب على البرلمان تفادي مواجهة قد تحدث بين السلطة التشريعية والقضاء وأن يتوقف عن نظر أو مناقشة الاتفاق نظراً لصدور حكم نهائي يجب احترامه». غير أن تحالف «دعم مصر»، الذي يملك الغالبية النيابية، أكد في بيان أن الدستور «أقر مبدأ الفصل بين السلطات وأوجب على جميع السلطات احترامه، ومجلس النواب (البرلمان) يراعي هذا المبدأ ويحرص عليه، وسيكون المجلس حريصاً على ممارسة دوره الدستوري في نظر الاتفاقات الدولية، ولن يفرط فيه». ورأى أن صدور الحكم «لا يغير من حقيقة أن الاختصاص الدستوري بتقرير طريقة إقرار الاتفاق أو كونها مخالفة لأحكام الدستور أو تتضمن تنازلاً عن الأراضي المصرية تنعقد للبرلمان وفق الإجراءات المنصوص عليها في اللائحة الداخلية». وأكد أن هذا الاختصاص الدستوري «منعقد للبرلمان ليقرر ما يراه في هذا الشأن والقرار في النهاية سيكون للنواب الممثلين عن الشعب بالقول الفصل النهائي في هذا الموضوع». وشدد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري وزير الخارجية السابق محمد العرابي على أن «مجلس النواب هو صاحب الحق الأصيل في تحديد قبول أو رفض اتفاق ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، والذي بموجبه تؤول ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة». وقال العرابي في اتصال مع «الحياة» أمس (الإثنين): «إن مجلس النواب سيتحرك خلال الفترة المقبلة لمناقشة الاتفاق وبخاصة أن أي اتفاق لا قيمة له إذا لم يقره المجلس، وذلك بموجب الدستور»، مؤكداً أن «المجلس يحترم قرارات القضاء لكن هذا لا يمنع أن يمارس حقه الدستوري في مناقشة الاتفاق بالتفاصيل المطلوبة، وسيتخذ إجراءاته الكاملة في هذا الشأن وسيأخذ وقته الكافي للمناقشة والاطلاع على الجوانب المحيطة بالاتفاق كافة، وسيعكس قراره في الأخير نبض الشارع المصري». ورداً على سؤال حول ما إذا كان المجلس سيتأثر بالحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية العليا أمس والقاضي ببطلان الاتفاق قال العرابي: «مجلس النواب سيتعامل مع هذا الملف من منطلقه الدستوري، وفق كلام علمي وليس من أي منطلق عاطفي آخر». وبسؤاله حول إمكان التضارب بين حكم المحكمة الإدارية العليا وبين ما سيقره المجلس حال إقراره الاتفاق، أوضح رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري أن «هناك فصل للسلطات في مصر، القضاء سلطته قضائية، ومجلس النواب سلطته تشريعية وهناك فارق بينهما، ومن حق القضاء أن يحكم بما يراه، ولكن مجلس النواب يتصرف من مفهوم أنه السلطة التشريعية في الدولة، وملزم بحكم الدستور بمناقشة أي اتفاق يتم إبرامه من مصر مع أي دولة أجنبية». وعن موقف القضاء حال إقرار البرلمان المصري الاتفاق وبالتالي عودة تيران وصنافير إلى المملكة، قال العرابي: «الموقف سيكون صعباً لكن في الأخير البرلمان يمثل الشعب المصري، وهو أمر خاص بالشعب، كما أن مصر والسعودية بحكم أنهما دولتان مهمتان في العالم العربي سيكون لديهما حرص على حل هذه القضية بطريقة لا تعرض العلاقات بين البلدين إلى حد كبير للأزمة، لأنه ليس من مصلحة القاهرة أو الرياض التوقف عند هذه الأزمة».