واصلت إسرائيل هجومها على عقد «مؤتمر باريس»، فوصفه رئيس حكومتها ب «المؤتمر العبثي»، بعد أيام من وصفه له ب «خدعة فلسطينية برعاية فرنسية»، فيما اعتبر مراقبون المؤتمر بأنه «رمزي». واختار نتانياهو أن يتطرق إلى المؤتمر في سياق تصريحاته الأسبوعية إلى وسائل الإعلام التي تسبق اجتماع حكومته، وقال إن المؤتمر تم تنسيقه بين فرنسا والفلسطينيين «بهدف فرض شروط على إسرائيل لا تتلاءم وحاجاتنا الوطنية، وعليه فهو مؤتمر يبعد السلام» بداعي أنه يدفع الفلسطينيين نحو اتخاذ مواقف أكثر تشدداً ويبعدهم أكثر عن إجراء مفاوضات مباشرة بلا شروط مسبقة، مضيفاً أن هذا المؤتمر «هو موت العالم من الأمس لأن الغد سيكون مغايراً»، في إشارة إلى اقتراب دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب البيت الأبيض. وكتب رئيس المعارضة إسحاق هرتسوغ في حسابه على «تويتر» أنه كان يجب على إسرائيل المشاركة في المؤتمر وعدم مقاطعته، «وتوجّبَ على نتانياهو أن يعرض موقفاً واضحاً لسياسة إسرائيل في ما يتعلق بالصراع، لا الهروب من المعركة». وكانت إسرائيل أعلنت منذ أشهر قرارها مقاطعة المؤتمر ولم تقتنع بالضغوط الفرنسية. وقالت أوساط سياسية رفيعة نهاية الأسبوع الماضي أن إسرائيل لا ترى نفسها ملزمة بكلمة واحدة من البيان الختامي للمؤتمر. وحضر مؤتمر باريس ممثلو أكثر من سبعين بلداً ومنظمة وهيئة دولية (الأممالمتحدة والجامعة العربية واللجنة الرباعية...)، لكن من دون الطرفين المعنيين، الفلسطيني والإسرائيلي. وقد عبر الفلسطينيون عن دعمهم للاجتماع. ويندرج المؤتمر في إطار مبادرة فرنسية أطلقت قبل عام لتعبئة الأسرة الدولية من جديد وحض الإسرائيليين والفلسطينيين على استئناف المفاوضات المتوقفة منذ سنتين. ويرتدي هذا الاجتماع طابعاً رمزياً مع تراجع آفاق حل الدولتين بسبب الوضع على الأرض الذي يشهد استمراراً للاستيطان الإسرائيلي وهجمات فلسطينية وتشدداً في الخطاب وتزايد الشعور بالإحباط. وقالت مصادر ديبلوماسية إن إدراج قضية القدس وتوجيه رسالة بذلك إلى ترامب، تشكلان محور مناقشات حادة في المؤتمر. وكان ترامب تعهد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي واجه عاصفة من الانتقادات الدولية وتحذيرات من مغبة ذلك. وجدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس من مغبة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقال في حديث إلى صحيفة «اللوموند» الفرنسية نشر السبت، إن «هذه الخطوة لن تؤدي إلى حرمان الولاياتالمتحدة من أي شرعية للعب دور في النزاع فحسب، بل سيقضي على حل الدولتين ايضاً». والأسرة الدولية، وإن كانت تؤكد من جديد التزامها حل الدولتين، إلا انها ليست موحدة في موقفها. فسواء داخل الاتحاد الأوروبي او بين الدول العربية، هناك بعض البلدان التي لديها اولويات اخرى او لا تريد اثارة استياء الإدارة الأميركية المقبلة. وقال ديبلوماسي فرنسي ملخصاً الوضع «يبدو لنا من المهم في الأجواء الحالية ان يؤكد سبعون بلداً من جديد ان حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن. الأمر بهذه البساطة وليس اكثر من ذلك». واستبعدت مصادر ديبلوماسية عدة ان تدرج نتائج مؤتمر باريس بعد ذلك في قرار جديد لمجلس الأمن ، كما قالت اسرائيل معبرة عن قلقها. واجتماع باريس هو المحطة الأخيرة في سلسلة من المبادرات حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني التي كان اهمها القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. فقبل شهر من مغادرتها السلطة، امتنعت ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن التصويت على قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي، للمرة الأولى منذ 1979. وأثار هذا الموقف غضب ترامب الذي كان دعا واشنطن الى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد النص. وبعد أيام، ألقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي حضر المؤتمر في باريس أمس الأحد، خطاباً أقرب الى شهادة سياسية، دان فيه الاستيطان وعدّد مبادىء حل للنزاع. ورداً على ما تردد عن زيارة للرئيس الفلسطيني الى باريس عقب انتهاء المؤتمر قال مصدر ديبلوماسي فرنسي ان هذه الزيارة لم تعد قائمة، وإنها ستتم ربما خلال الأيام او الأسابيع المقبلة. وذكر ان اتصالاً هاتفياً اجري بين هولاند وعباس وتقرر خلاله فصل الزيارة عن المؤتمر، خصوصاً وأن الجانب الفرنسي عرضة لانتقادات اسرائيلية وأميركية تتهمه بممالأة الفلسطينيين. وأضاف المصدر ان وزير الخارجية الأميركي جون كيري حض في كلمته خلال المؤتمر الأطراف العربية على تكثيف اتصالاتها مع ادارة ترامب وتنبيهها لخطورة الإقدام على خطوات من شأنها دفع الوضع الى التدهور. وشدد كيري وفق المصدر على ضرورة عدم اغلاق الباب امام فرص انجاح حل الدولتين نظراً لما قد يترتب على ذلك من عواقب. وأشار المصدر الى ان اعمال المؤتمر تخللها تجاذب بين الدول المقربة من الإسرائيليين وتلك المقربة من الفلسطينيين، وحاول كل من الطرفين تضمين البيان الختامي عبارات ومواقف مواتية للطرف الذي يؤيده.