اختيار سفير فرنسا الحالي في واشنطن بيار فيمون للمنصب الثاني الى جانب كاثرين اشتون المسؤولة البريطانية عن السياسة الخارجية الأوروبية هو خبر سار. ليس فقط لكون فيمون من أفضل الديبلوماسيين الفرنسيين، ولكن أيضاً لأن هناك املاً بأن يكون توليه هذا المنصب سيعطي توازناً اكبر للسياسة الخارجية الأوروبية التي تشرف عليها اشتون المقربة من رئيس الحكومة السابق توني بلير الأميركي التوجه. فبيار فيمون ديبلوماسي مرموق يحظى باحترام كبير في كل أوساط فرنسا من اليمين الحاكم الى المعارضة الاشتراكية. وهو من الديبلوماسيين القلة الذين يكرّسون حياتهم لعملهم. فقد عمل سفيراً في بروكسيل ومعروف أنه كان أقرب الى الاشتراكيين، لكنه ديبلوماسي قبل كل شيء وقد أتى به دومينيك دوفيلبان لإدارة مكتبه عندما تسلّم وزارة الخارجية في عهد الرئيس السابق جاك شيراك. وأصرّ شيراك على إبقائه مديراً لمكتب وزراء الخارجية الذين خلفوا دوفيلبان من ميشيل بارنيه الى فيليب دوست بلازي. فقد تولّى إدارة ملفات أساسية في ظل شيراك، من الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ووصول رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات الى باريس ووفاته فيها الى الحرب الأميركية في العراق ورفض فرنسا لها وخطاب دوفيلبان الشهير في الأممالمتحدة، ثم احداث لبنان قبل وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإنشاء المحكمة الدولية ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006. وعيّنه شيراك في آخر ولايته سفيراً في واشنطن لأنه كان من بين الأفضل لتولي هذا المنصب. فعندما كان في وزارة الخارجية كان يعمل الى وقت متأخر في الليل ويدرس الملفات ويقرأ كل تقارير ديبلوماسيي فرنسا في العالم حول القضايا المختلفة. وفي واشنطن بقي على اطلاع على القضايا الخاصة بالعالم العربي وتابعها بدقة مع الإدارة الأميركية السابقة وإدارة الرئيس أوباما الحالية. بيار فيمون ديبلوماسي يتميّز أيضاً بأسلوبه الهادئ في تناول قضايا ساخنة تبعث على التوتر. فقد كان على عكس وزير الخارجية دو فيلبان المعروف بشخصيته الثائرة. وهو ايضاً عكس طباع رئيسه نيكولا ساركوزي العصبي والمتوتر عندما تسير الأمور عكس ما يريد، ففيمون معروف بالتروي والهدوء، ومنصبه الجديد الى جانب كاثرين اشتون هو «أمين عام تنفيذي» للخارجية الأوروبية أي المسؤول الثاني في «وزارة الخارجية» للاتحاد الأوروبي. ومسؤولية هذا الديبلوماسي البارع الذي قضى ثلاثين سنة في الشؤون الخارجية هي في محاولة تعزيز العلاقات الخارجية لأوروبا والعمل على توازنها الى جانب كاثرين اشتون. ولا شك في أن اختيار فيمون لهذا المنصب يطمئن الى مساهمته في قيادة ديبلوماسية أوروبا، لخبرته وشخصيته. ولكن في الوقت نفسه يلقي عليه مسؤولية أكبر في إدارة السياسة الخارجية ل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي. وهذه مهمة صعبة ومسؤولية هائلة. فتوحيد المواقف في ظل هذا الاختلاف بين الدول الأوروبية أمر شبه مستحيل ولكن دور فرنسا سيكون على الأقل الإقناع ومحاولة التوصل الى تسويات عبر ديبلوماسي بارع له خبرة طويلة. ولا خلاف على أن اختياره لتحسين أداء سياسة أوروبا الخارجية ومحاولة تصحيحها أمر مهم. فوجوده الى جانب أشتون يعطي الأمل بتوازن أكبر كون اشتون تستنجد دائماً بصديقها توني بلير للنصائح. وبيار فيمون يعرف جيداً السياسة الأميركية الخارجية والداخلية، فكثيراً ما فاوض الإدارات المختلفة حتى قبل توليه سفارة فرنسا في واشنطن. وهو يميّز بين مصلحة أوروبا في اتخاذ قرارات أكثر استقلالية ولو ان ذلك صعب في ظل سياسة 27 دولة وغياب سياسة خارجية موحدة. وعلى الأقل فإن وجوده في المنصب الثاني الى جانب اشتون ضمانة لمهنية ديبلوماسية مهما كانت العوائق.