تبذل الدولة الكثير من الجهود لإبراز صورة المملكة الحقيقية والدفاع عنها في المحافل الدولية، ومع الإيمان بأن تغيير الصورة النمطية لأي بلد هي بعكس الصورة الداخلية والحقيقية بشكل واضح، وإن كان هناك قصور فأعتقد أن الخلل يجب أن يصلح في الداخل قبل محاولة تعديل صورة لمولود قد يكون مشوهاً، فنحن مطالبون بتصحيح الأخطاء والممارسات الخاطئة التي تُرتكب في الداخل من بعض المؤسسات الرسمية ومن بعض الأفراد التي يلتقطها الإعلام في الخارج ويعمل منها حملات إساءة للوطن، قد تستغرق سنوات لتصحيح الضرر من بعض هذه التصرفات الغريبة في الداخل. لقد صادفت مثل هذه التصرفات في مطار الملك خالد الدولي عند قدومي الأسبوع الماضي من خلال صالة القدوم الدولية، فالحقيقة أننا يجب أن نعترف بأن طريقة المعاملة، خصوصاً للأجانب، قد تحسنت كثيراً، وهذا هو المطلوب ويجب أن يكون هو السلوك الطبيعي من موظفي المطار من جميع الأجهزة المعنية هناك، ولكن كما يقال «الزين ما يكمل»، فخلال انتظارنا في طابور الجوازات، شاهدت منظراً أحزنني كثيراً على المستوى الشخصي وعلى الأضرار التي تسببها مثل هذه المناظر لصورة المملكة، فيوجد غرفة مفتوحة من خلال نافذتها الزجاجية الكبيرة على يسارنا ويوجد بها أحد أفراد الجوازات وأمامه أحد المواطنين، ويبدو من بشرته أنه من العمالة الآسيوية، ففي لحظة ارتفع صوت ذلك الموظف على ذلك العامل المسكين الواقف أمامه، ما جعل جميع المسافرين في الصالة يلتفتون لما يحدث في تلك الغرفة، وقد اعتقدت أن الموضوع سوف ينتهي بالصراخ والشتائم التي يمكن سماعها، وقلت إن عامل اختلاف الثقافات واللغة قد يكون هو السبب في حدوث مثل هذا الموقف، ولكنني، ومع الأسف، كنت مخطئاً جداً، فما هي إلا دقائق وقام الموظف من على مكتبه واتجه إلى العامل الواقف أمامه وبدأ بتوجيه الضربات على وجهه، ثم عاد إلى مكتبه بكل هدوء، حدث هذا أمامنا، حتى أن ذلك الموظف لم يهتم بأن ينتظر حتى مغادرة المسافرين ليقوم بتصرفه غير الإنساني والمشين بحق إنسانية ذلك المسكين، وبحق صورة الوطن الذي يجب أن نحميه من مثل هذه التصرفات. هذا الموقف دفعني أن أبحث عن الضابط المسؤول الذي كان في مكان ليس ببعيد عن تلك الغرفة، ولا أجزم أنه على اطلاع على ما يحدث فيها من تصرفات غريبة تسيء إلينا جميعاً كمواطنين ودولة وثقافة، وعندما أخبرته بما شاهدته رد ببرود غريب إنه لم يشاهد ما حدث، وأشرت إليه بالتدخل، فقال إنه لا يعتقد أن ذلك قد حدث، وعندما أخبرته أنني شاهدت وغيري ذلك المنظر، قال في النهاية إن مثل تلك التصرفات يجب ألا تحدث في مطارنا العزيز، ولكنه أضاف أن ذلك الشخص مزور، ونحن نحقق معه، وكأنه يقول إن مثل هذه الأساليب مشروعة، وإذا كان بالفعل مزوراً مثلاً جواز سفره فإنه لا يحتاج للضرب أمام المسافرين، فدليل تزويره بيده ويمكن محاكمته وتحويله إلى الجهات ذات العلاقة، التي لا أعتقد أن مسؤولي الجوازات هم من يحققون في مثل هذه القضايا، نقطة أخرى مهمة حتى إن كان هذا التحقيق يجري في داخل الغرف في غرف التحقيق الرسمية، فإن مثل هذه الممارسات يجب ألا تتم. ولو افترضنا أنهم أصحاب الصلاحية في التحقيق، فإنه يجب أن يتقيدوا بتعاليم الدولة التي تمنع الإيذاء الجسدي لانتزاع الاعترافات من أي إنسان مهما اقترف من جريمة، فالمملكة العربية السعودية موقعة على تلك الاتفاقات الدولية، إضافة إلى أن حكومتها وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، والنائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، لا يرضون أن يهان ويتعرض الأشخاص من أية جنسية لمثل هذه التصرفات الفردية غير الإنسانية، ففي هذا العهد لم تدخر المملكة جهداً في إنشاء مؤسسات حكومية وأهلية في مجال حقوق الإنسان وهي ليست للمواطنين فقط، بل هي لكل من يعيش على أرض هذا الوطن، بل إن الجهات الرسمية والأهلية والإعلام السعودي يعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع، ومثل تأصيل هذه الثقافة الحقوقية الإنسانية يحتاج إلى الوقت لترسيخه ولكن هذا لا يعني أن تنتهك آدمية الإنسان تحت أي ظرف كان. إن اختيار العناصر المتعلمة والمدربة هو أحد العناصر الفعالة للقضاء على مثل هذه الصور المسيئة لنا جميعاً، التي أعتقد أن مثل هذه العناصر موجودة من الجنسين في بلادنا، فلنجعل مطاراتنا واجهة حقيقية لنا كمجتمع ودولة، وثقافتنا تعتز بالإنسان مهما كان دينه أو لونه أو قوميته. [email protected]