ربما يُحسب لبعض الأكاديميين السعوديين خلال السنة الحالية، التخلص من مهمة التنظير والتوجه المباشر نحو دراسة مكامن القصور والضعف في أداء بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية، وعرض عجزها عن مواكبة السياسة الإصلاحية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. يُعاب على دراسات أكاديمية سابقة مجاملتها للوزارات وعدم ملامستها ضعف أداء بعض الوزارات، وعدم اقترابها من هموم الناس وما يعتري حياتهم من مشكلات معيشية واجتماعية وتعليمية حتى يمكن للأجهزة الرسمية تسليط الضوء على تلك القضايا وإيجاد الحلول المناسبة لها نحو بناء إنسان عصري ودولة حضارية. لا يلبث المراقب إلا أن يقف احتراماً للدراسة التي أعدها مدير جامعة اليمامة الدكتور أحمد العيسى، وكانت بعنوان: «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجُّس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية»، لكونها خلصت إلى ضعف النظام التعليمي في المملكة وقدّمت حلولاً تخصصية دقيقة من شأنها فيما لو طبق نصف ما ورد فيها تحويل الفكر التعليمي إلى اشراقات وإضاءات وطنية مستقبلية. أما الدراسة الثانية التي تستحق التوقف والتعامل معها ودعمها مستقبلاً، هي الدراسة التي نشرت أخيراً بعنوان: «برامج الإسكان في السعودية ومدى استفادة الموظفين الحكوميين منها»، وهي توضح أن ما يزيد على 61 في المئة من موظفي الدولة لا يملكون منازل خاصة بهم، ونحو 66 في المئة منهم يقطنون في شقق أو أدوار صغيرة أو مع والديهم. والمقالة هنا تركز على هذه الدراسة نظراً إلى أهميتها، بعد أن أشبع كتّاب كثر دراسة الدكتور العيسى ثناءً، وهي (الدراسة) تستحق ذلك. برامج الإسكان في المملكة كانت تحتاج إلى جهد علمي يسلّط الضوء على عمق المشكلة محلياً وتبرز عدم قدرة مواطنين بعضهم تقاعد عن العمل، وهو لم يتمكن من بناء منزل لأسرته، إضافة إلى شباب متزوجين أو مقبلين على الزواج وهم غير قادرين على فتح بيوت نظراً إلى معوّقات كثيرة سيتم استعراض بعضها وفق ما جاء بالدراسة. الدراسة التي أعدها الدكتور أمير العلوان تكتسب أهمية خاصة كونها صادرة عن جهة حكومية تتمثل في معهد الإدارة العامة، ولأن القائم بها أكاديمي متخصص في مجال التخطيط الحضري والإقليمي، وتسجيلها لهموم الناس السكنية كمبحث أول، إضافة إلى انها «جريئة»، وعملت على تشخيص حال كانت تُدرَس في السابق بخجل. تؤكد الدراسة أن 80 في المئة من المتقدمين على صندوق التنمية العقارية من الموظفين الحكوميين لم يستفيدوا من القروض، نظراً إلى طول مدة الانتظار للحصول على قرض الصندوق. وتوضح أن 44 في المئة من المتقدين أشاروا إلى أن قرض الصندوق غير كافٍ لبناء المنزل في ظل كلفة البناء الحالية، وأن أكثر من 65 في المئة ممن يملكون منازل اعتمدوا على مصادر الدخل الخاص أو صندوق التنمية العقارية في تمويل وبناء المنزل الخاص بهم. وتشير الدراسة إلى أن من أسباب عدم تحقيق الخطط والبرامج الإسكانية لأهدافها في المملكة هو الارتفاع المستمر في أسعار الأراضي المخدومة باعتبار أن أكثر من 93 في المئة، من الشريحة التي شملتها الدراسة تعتبره العائق الرئيسي الأول لتملك المسكن للكثير من المواطنين. يشكو المواطنون من عوائق عدة، من أبرزها: طول فترة الانتظار للحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية، إضافة إلى وجود شرط ضرورة تملك أرض للحصول على قرض من الصندوق، وضعف قيمة القرض وعدم توافر برامج كافية لتملك منازل خاصة تفقد الموظف منزله بعد تقاعده، ومحدودية الدخل مقارنة بارتفاع أسعار المساكن ومواد البناء. توصي الدراسة بأهمية تطوير سياسات وخطط وبرامج طويلة الأمد تسهم في توفير الإسكان للمواطنين وتشجّع على إعادة التأهيل والصيانة للثروة العقارية القائمة وتحفيز الجمعيات الأهلية والجمعيات التعاونية على مستوى المهن والمدن المختلفة للإسهام في تمويل برامج للإسكان لمنسوبيها، إلى جانب الاستفادة من بعض التجارب المحلية الناجحة ومعرفة أسباب النجاح ومن ثم تعميم التجربة على الجهات الحكومية الأخرى. لا شك في أن البلاد تحتاج إلى دراسات صادقة ومخلصة كهذه الدراسة، ولا سيما أنها سلطت الضوء على مشكلة وطنية عميقة تمسُّ حياة الناس بشكل مباشر، كما أنها بحثت في حلول من شأنها مساعدة المواطن. الأكيد أنه متى ما توافرت حياة تعليمية وسكنية ومعيشية ملائمة للمواطن انعكس ذلك على أمن الوطن، وتناقصت حينها الجرائم والسرقات والقضايا الأمنية. [email protected]