تسود لدى الأوساط الأوروبية قناعة بأن روسيا تشن منذ ثلاث سنوات على الأقل، حرباً إعلامية ممنهجة ومباشرة، تستعين فيها بمواقع التواصل الاجتماعي وبمجموعات يمينية ومعلقين من اليمين المتطرف، من أجل زعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية وتعزيز التيارات القومية. ويشير بعض الأوساط في بروكسيل، إلى أن «الحرب الإعلامية» (بروباغندا) تعتمد أساليب «نشر أخبار زائفة والتشكيك في السياسات المشتركة التي يقودها الاتحاد الأوروبي وتشويه مواقفه في الساحة الدولية، وخصوصاً في قضايا ساخنة مثل أزمة اللاجئين والحرب في سورية». وكشف مصدر غربي في بروكسيل ل «الحياة»، عن أن خبراء في قسم العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي، «شكلوا وحدة تقوم على مدار الأسبوع بجمع المعلومات من مئات المصادر في ثلاثين بلداً تقريباً، من أجل تفكيك خيوط الحملة» الروسية. وتحفظ المصدر عن ذكر اسمه، لأنه غير مخول الحديث الى الصحافة، لكنه أبدى قناعته ب «صدقية» الاستنتاجات التي توصلت اليها أجهزة الاستخبارات الأميركية حول قرصنة إلكترونية استهدفت الحزب الديموقراطي الأميركي من أجل التأثير في انتخابات الرئاسة الأميركية، مع الإشارة إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما قامت بأمر مشابه، إذ اعترفت باختراق أجهزة الاستخبارات الأميركية أنظمة التواصل في فرنساوألمانيا وغيرهما. ورأى المصدر الغربي أن اختراق الأجهزة الروسية حملة حزب في الولاياتالمتحدة «يمثل خطراً كبيراً لأنه يزعزع أسس النظام الديموقراطي». وتوقع أن تتواصل الحملة الممنهجة التي تقودها مراكز السلطة في روسيا من أجل التأثير في الانتخابات العامه في دول أوروبية، في مقدمها فرنساوألمانيا. وأكدت مصادر في بروكسيل ل «الحياة»، أن مؤسسة مقرها في سان بطرسبورغ، توظف حوالى 400 صحافي، مهمتهم نشر مئات المقالات يومياً عبر شبكة الإنترنت. وأضافت أن «كلاً منهم ملزم بتحرير عشرات المقالات القصيرة يومياً وعلى مدى 12 ساعة». ولفتت المصادر إلى أن بعض الصحافيين انشقوا وأبلغوا وسائل إعلام غربية بخطة العمل التي وضعتها السلطات الروسية. واطلعت «الحياة» على عدد من المنشورات المتوافرة في مواقع التواصل الاجتماعي في روسيا وتشيخيا وهنغاريا وسلوفاكيا وبريطانيا، وتركز المقالات على تشويه سياسة استقبال المهاجرين في ألمانيا، ويُقرأُ فيها على سبيل المثال أن «المستشارة (أنغيلا) مركل تتحمل مسؤولية الاعتداءات الإرهابية في بروكسيل، لأن منفذيها مسلمون»، وأن «النازية تتصاعد من جديد بسبب سياسات مركل». وتدعو مواقع أخرى «روسيا إلى نصرة المسيحيين في أوروبا لأنهم مهددون بغزو إسلامي» أو أن «مواد اختفت من المطاعم والمدارس في ألمانيا إرضاء للمسلمين»، وصولاً إلى أن «الديموقراطية تقود إلى الديكتاتورية، إذ أتت بهتلر إلى السلطة واليوم تأتي بالمسلمين المتطرفين»، أو «أن ألمانيا توظف رجال أمن مسلمين تمهيداً لتنفيذ الشريعة». ويبدو واضحاً أن المقالات التي تنشرها مراكز بحثية يمينية لمعلقين من اليمين المتطرف، تستخدم منهجية التضليل، من «نشر الأخبار الزائفة وتشويه الحقيقه التي تصدر عن الجهات الرسمية الأوروبية والتشكيك في القيم التي يقوم على أساسها الاتحاد». وفي إطار اتهام روسيا بالوقوف وراء حملة «زعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية»، يستعيد مراقبون تصريحاً لرئيس الاستخبارات العسكرية في السويد غونار كارلسون، أدلى به في 16 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وقال فيه إن «روسيا تمثل مصدر العمليات التي تستهدف السويد». كما حذرت مركل في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، من «معلومات مزيفة وأكاذيب مصدرها روسيا وتستهدف ألمانيا». بذلك، لم يعد الأمر يقتصر على حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الذي أكد أمينه العام ينس ستولتنبرغ في أكثر من مناسبة، أنه يواجه حملة إعلامية روسية. وأبدى المصدر الغربي الذي تحدث إلى «الحياة» قناعته بأن «روسيا تسعى إلى تفكيك الاتحاد من خلال زعزعة أسس القيم التي يقوم عليها». وأشار إلى أن موسكو تحظى بدعم بعض مجموعات اليمين المتطرف وأوساط المحافظين في أوروبا الغربية، خصوصاً منذ تدخلها في سورية.