{ كشفت المديرة العامة بوزارة الخارجية الألمانية السفيرة سابينه شبارفاسر، في حوار مع «الحياة»، عن أن زيارتها الحالية للسعودية تهدف إلى تعميق التعاون مع الشركاء السعوديين بعد تبني الحكومة السعودية «رؤية 2030»، ومواجهة الإرهاب الذي يمثله «داعش» مستغلاً ضعف السلطة في دول الصراعات. وأوضحت السفيرة الألمانية ل«الحياة» أمس أن ألمانيا تعلم من تجربتها الخاصة أن إحداث تغييرات جوهرية مثل التي تضمنتها الرؤية السعودية تحتاج إلى الصبر وشركاء موثوق بهم، مشيرةً إلى أن ألمانيا تدعم الإصلاحات المتوقعة في السعودية لمواجهة تحديات القرن ال21، عبر استراتيجية شاملة تحوي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المميزة، وتكافؤ الفرص للمرأة. وقالت شبارفاسر: «لدينا شركات ألمانية قادرة على الإسهام في رؤية المملكة من خلال تقنية طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وكفاءة استخدام الطاقة»، كما أن للبلدين تعاوناً أمنياً ملموساً في مجال الشرطة وأمن الحدود والتعليم. وأكدت شبارفاسر أنها تزور السعودية للمرة الثانية، لتعميق العلاقات الثنائية طويلة الأمد، ومناقشة الأجندة الإصلاحية الطموحة في السعودية، والحرب ضد الإرهاب، الذي يستهدف الأبرياء من السعوديين والألمان. وفي ما يلي نص الحوار: هل تعتقدين أن أميركا ستلعب دوراً أكثر نشاطاً في المنطقة مع وجود الرئيس الجديد، وتبدأ خطوات أكثر عملية نحو السلام في الشرق الأوسط؟ أميركا ستبقى شريكاً مهماً بالنسبة لنا، خصوصاً في التحالف لمكافحة «داعش»، في مفاوضات السلام لسورية، وكذلك في عملية السلام بالشرق الأوسط، وأذكر هنا أهم الملفات فقط. ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه التعليق على الاستراتيجيات الأميركية المحتملة في المستقبل للمنطقة، بما أن الإدارة المقبلة لم تفصح عن تفاصيل ضمن خططها في الوقت الراهن. ما هي من وجهة نظرك التحديات السياسية الأكثر أهمية التي تواجه المنطقة؟ نحن قلقون جداً حول الصراع الدائر في سورية. قُتِلَ مئات الآلاف، ونزح جزء كبير من السكان خارج البلاد. هناك جيل كامل ينشأ بلا أمل. ونحن نرحب بالجهود الرامية إلى العودة إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ونأمل بأن تمهد بدورها الطريق لإجراء محادثات سلام ناجحة برعاية الأممالمتحدة. يمكن للمملكة أن تلعب دوراً محورياً في تمهيد الطريق لمستقبل أفضل في سورية. في ظل الإرهاب وانتشار الأسلحة والهجرة غير الشرعية، فإن الأزمة في ليبيا لها تأثير مباشر في السلام والاستقرار بالمنطقة، وهذا يعني شمال أفريقيا ودول الساحل الأفريقي، ويعنينا أيضاً في ألمانيا وأوروبا. نرحب بالجهود التي بذلت أخيراً من الدول المجاورة إلى إيجاد حل سلمي وشامل في إطار الاتفاق السياسي الليبي وتحت مظلة الأممالمتحدة. تستغل المنظمات الإرهابية أمثال «القاعدة» و«داعش» ضعف سلطة الدولة في المنطقة، وبذلك غدت واحدة من أكبر التهديدات في غضون السنوات الثلاث الماضية، ليس فقط للمنطقة، ولكن أيضاً على الصعيد الدولي. ووصل هذا التهديد إلى ألمانيا خلال العام الماضي في شكل أربع هجمات مختلفة، كما لقي 12 شخصاً مصرعهم في هجوم على سوق عيد الميلاد في برلين قبل عيد الميلاد، إذ ينم هذا الحدث عن صلة قوية ب«داعش» كذلك. نحن نتعامل مع ظاهرة عالمية ولا سبيل لمواجهتها إلا من خلال الشراكة بيننا. وعلى رغم الصراعات العنيفة للغاية في المنطقة مثل سورية والعراق واليمن، يجب أن نكثف من جهودنا من أجل العمل أيضاً في سبيل التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ونحن مقتنعون تماماً بأن حل الدولتين هو الحل الجوهري للنزاع ويخدم المصالح المشروعة لكلا الجانبين. قدمت مبادرة السلام العربية لعام 2002 رؤية لإيجاد حل شامل للصراع العربي - الإسرائيلي. أرسل مؤتمر أفغانستان الأخير في بروكسيل إشارة قوية من الدعم للشعب الأفغاني والحكومة الأفغانية. يجب على المجتمع الدولي أن يظل موحداً في جهوده لتحقيق استقرار الوضع في أفغانستان، من أجل تمهيد الطريق لعملية السلام، ومن المهم ألا تصبح أفغانستان ملعباً للمنافسات الإقليمية. تشكل إيران مصدراً كبيراً لعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، ما هي الإجراءات التي يمكن أن تساعد على خفض هذا التوتر؟ تواجه منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن عدداً هائلاً من التحديات التي تؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة بأسرها، وإيجاد الحلول لها يتطلب وقتاً، ومفاوضات معقدة في كثير من الأحيان وقبل كل شيء، تنسيقاً وتحقيقاً للتوازن بين العديد من المصالح الوطنية والإقليمية المختلفة، من أجل تحقيق الاستقرار المستدام على المدى الطويل. ما هو مهم بالنسبة إلينا أن تعمل الجهات الفاعلة الرئيسة في المناطق ما بوسعها لمواجهة التحديات والتوصل إلى اتفاقات من خلال الوسائل الديبلوماسية. ولما كان من المفيد والضروري أن تقوم جهات خارجية بالمساعدة فإن ألمانيا جاهزة ومستعدة للإسهام بالتأكيد. المفاوضات مع إيران حول خطة عمل شاملة مشتركة هي مثال جيد على ذلك، كانت طويلة وصعبة، ولكن مع دعم مجموعة الدول الأوروبية الثلاث والدول الثلاث (E3 +3) كانت ناجحة في النهاية في التوصل إلى حل لقضية مهمة، وكانت لسنوات مصدر قلق في المنطقة وخارجها. ونحن ندرك حقيقة أن خطة عمل شاملة لا يمكن أن تبدد كل المخاوف لدى دول الخليج العربي في ما يتعلق بإيران، وعلى رغم ذلك فإننا نأمل بأن تكون خطوة أولى لإعادة بناء الثقة بين الجيران. بشكل عام، يمكن لألمانيا والشركاء الأوروبيين الآخرين - نظراً لتجربتهم التاريخية - تقديم التجارب والخبرات في حل النزاعات سلمياً، وإنشاء أنظمة الأمن المشترك. بطبيعة الحال، لا يوجد هناك قالب موحد يمكن نقله بسهولة من بلد أو منطقة إلى أخرى، ولكني أعتقد أن التجارب الأوروبية والألمانية من الحرب الباردة حتى اليوم لها فائدة، تلك التجارب التي أظهرت أهمية وجود مبادئ متفق عليها بين البلدان وإجراءات محددة لحل النزاعات يمكن أن تكون ذات صلة في مناطق أخرى كذلك، وربما أيضاً لأجزاء من الشرق الأوسط. كيف تتعاونون مع المملكة لوقف «داعش» وجرائمه في سورية والعراق، وحتى في الاتحاد الأوروبي؟ كما ذكرت نحن نتعاون مع شركائنا من الدول ضد «داعش». ومن المهم أيضاً معالجة المشكلة من جذورها، وأقصد هنا التطرف. المنظمات الإرهابية مثل «داعش» أساءت استخدام الدين وتذرعت به لأغراض متطرفة. لذلك يجب علينا إزالة أشكال التطرف. بالنسبة للسكان المعنيين هناك حاجة ماسة إلى تدابير لتحقيق الاستقرار بعد التحرر من عبث «داعش». ولعبت ألمانيا دور المبادرة في تسهيل تحقيق الاستقرار في العراق وسورية وليبيا، ولكن الأهم من ذلك يجب علينا التركيز على الوقاية على المدى الطويل لتأمين مستقبل مستدام. هناك جهود مستمرة في العراق لتعزيز مشاركة السكان السُنة في عملية صنع القرار في بغداد، وهذا - في رأينا - علامة مشجعة، ونحن نقوم بمناقشة هذا الموضوع بانتظام مع شركائنا في المملكة، ولدينا أيضاً تعاوناً أمنياً ملموساً جداً. على سبيل المثال، كان لدينا لعدة سنوات وحتى الآن تعاون ناجح جداً في مجال الشرطة في مجال أمن الحدود. ما هي الأهداف الرئيسة لزيارتك؟ هذه هي زيارتي الثانية إلى الرياض، وأنا سعيدة بالتعرف على المملكة بشكل أكبر. ستتمحور لقاءاتي مع الشركاء السعوديين حول تعميق العلاقات الثنائية طويلة الأمد، كذلك مناقشة الأسئلة الملحة في المنطقة، إضافة إلى الأجندة الإصلاحية الطموحة في المملكة، والتي تتابعها ألمانيا باهتمام كبير. وهناك موضوع آخر مهم، ألا وهو الحرب ضد الإرهاب. للأسف، فقد استهدف الإرهاب الأبرياء، سواء من السعوديين أم الألمان في الأسابيع الأخيرة. أنا واثقة من أن الدين له دور عظيم في إيصال رسالة التعاون والسلام والرحمة والوقاية من العنف. هل يتابع الشعب الألماني أحداث الحرب في اليمن؟ نتابعه جداً، على رغم أن بعض الناس في ألمانيا لا يفهمون بالتفصيل أسباب الصراع في اليمن، فإنهم قلقون من المأساة الإنسانية للشعب اليمني، والتقارير عن اختراقات للقانون الدولي الإنساني. الأطفال يموتون كل يوم من سوء التغذية والأمراض التي تمكن الوقاية منها. ولذلك إننا ندعو إلى إيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد. كانت ألمانيا من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية في اليمن، بتقديمها أكثر من 33 مليون يورو عام 2016، ونقوم أيضاً بمتابعة مساعدات التنمية الثنائية طويلة الأجل إلى اليمن، على رغم الظروف الصعبة. ومع ذلك، فإن الحل الدائم للصراع والسلام هو وحده الذي سينهي معاناة الشعب. لذا نحمل رسالة لجميع الجهات الفاعلة المعنية هي أن يبذلوا قصارى جهدهم للعمل من أجل ذلك. ما هو تقويمك ل«رؤية السعودية 2030»؟ نشيد بتبني الحكومة السعودية «رؤية 2030». تدل هذه الرؤية على أن المملكة عازمة على مواجهة تحديات القرن ال21. إنها استراتيجية شاملة وطموحة، تحوي الإصلاحات المهمة، وستوفر الآفاق الاقتصادية والاجتماعية المميزة لجميع فئات المجتمع السعودي، بما في ذلك تكافؤ الفرص للمرأة. تعلم ألمانيا من تجربتها الخاصة أن إحداث تغييرات جوهرية مثل هذه تحتاج إلى الصبر، وأفكار جيدة وشركاء موثوق بهم. ألمانيا مستعدة لدعم الإصلاحات المزمعة، ولذلك فإن واحداً من أهداف زيارتي اليوم هو تحديد المناطق التي يمكن لبلدينا تعميق التعاون من خلالها مع شركائنا السعوديين. الشركات الألمانية، على سبيل المثال، هي شركات رائدة في التقنيات المبتكرة، مثل تقنية طاقة الرياح والطاقة الشمسية أو في كفاءة استخدام الطاقة. إني أرى العديد من الفرص لتعميق التعاون.