ينشغل الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر هذه الأيام بأحداث مهمة على رأسها الاستعداد لعقد مؤتمره السنوي السابع يومي 9 و 10 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ثم خوضه معركة انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) يوم 28 من الشهر ذاته. وعلى رغم ذلك، يلاحظ ابتعاد الأمين العام المساعد أمين السياسات في الحزب نجل الرئيس جمال مبارك عن الأضواء وأيضاً تراجع الحملات الداعمة لترشيحه في انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل إلى حد نزع بعض اللافتات المؤيدة له من شوارع القاهرة. ويتزامن ذلك مع إعلان قياديين في الحزب الوطني ووزراء في الحكومة المصرية أن الرئيس حسني مبارك هو مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة المقبلة. ولكن على رغم ذلك يرى مراقبون أن ما اصطلح على تسميته «مشروع التوريث» لا يمكن استبعاده تماماً وأنه «في انتظار توافر شروط إنجاحه». ولوحظ اختصار فترة عقد مؤتمر الحزب الوطني ليستمر يومين بدل ثلاثة أيام كان ثانيها في المؤتمرات السابقة هو «يوم جمال مبارك» بامتياز، إذ كان الأمين العام المساعد يستهله بإلقاء بيان لجنة السياسات التي يرأسها ويختتمه بمؤتمر صحافي عالمي يُعد «حدث المؤتمر». لكن من غير المعلوم إذا ما كان ذلك النشاط سيبقى على حاله في ظل عقد المؤتمر المقبل على مدار يومين يشهدهما الرئيس مبارك لافتتاح المؤتمر وإعلان اختتامه. وفيما لم يتحدث الأمين العام المساعد طوال الفترة الماضية التي شهدت عقد المجمعات الانتخابية للحزب الوطني لاختيار مرشحيه للانتخابات البرلمانية، عاود الرئيس مبارك لقاءاته مع الفنانين والمثقفين بعد انقطاع استمر سنوات، كما أولى الرئيس المصري اهتماماً لافتاً للشأن الداخلي وعقد اجتماعات وزراية للاطلاع شخصياً على خلفيات قضايا جماهيرية متتابعة وأصدر أوامر رئاسية للتعامل مع كل منها، ما اعتبره مراقبون بداية مبكرة لحملة ترشيحه رئيساً لمصر لفترة سادسة. وهو الأمر الذي كشف عنه جلياً أمين الإعلام في الحزب الوطني الدكتور علي الدين هلال الذي أكد جازماً أن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب الوطني في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد أن كان هلال نفسه يرى في جمال مبارك «مرشحاً محتملاً». وعلى رغم الدلائل التي تشير تلميحاً وتصريحاً إلى أن جمال مبارك لن يكون مرشحاً عن «الوطني» في انتخابات الرئاسة المقبلة، إلا أن مراقبين لم يسقطوا «مشروع التوريث» في شكل نهائي من حساباتهم، إذ رأى الخبير في مركز «الأهرام» للدرسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي أن «مشروع التوريث لم ينته لكنه صعب التحقيق في الفترة الحالية». وقال الشوبكي ل «الحياة» إن جمال مبارك «منذ ظهوره على الساحة السياسية في مصر لا يتصدر المشهد طوال الوقت، إذ أنه يتوارى في بعض الأوقات ويظهر بكثافة في أوقات أخرى (...) المرحلة الحالية يتوارى فيها أمين السياسات ويظهر بكثافة الرئيس مبارك، وأعتقد أن جمال مبارك سيعاود الظهور خلال مؤتمر الحزب الوطني». وعلى رغم تصريحات أمين الإعلام عن أن الرئيس مبارك هو مرشح «الوطني» لانتخابات الرئاسة ومن قبله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، إلا أن الشوبكي يرى أن «مشروع التوريث لم ينته (...) طوال الفترة الماضية كان التعامل مع الصعوبات التي تواجه هذا المشروع يتم في الخفاء، وسيظل هذا المشروع مطروحاً لكن في الفترة الحالية يواجه صعوبات جمة، ورغم أنه لا يزال قائماً إلا أنه يضعف». وتثير تأكيدات قيادات الحزب الوطني شكوكاً لدى الشوبكي الذي يعتقد أن الرئيس مبارك لن يترشح لفترة رئاسية سادسة. وإن كان مساعد مدير مركز «الأهرام» للدرسات الاستراتيجية والسياسية الدكتور نبيل عبدالفتاح يتفق مع الشوبكي في أن «مشروع التوريث» لم ينته تماماً، إلا أنه يختلف معه في اعتقاده بأن الرئيس مبارك لن يكون مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ يرى عبدالفتاح أنه «في ضوء المؤشرات الحالية سيكون الرئيس محمد حسني مبارك هو الرئيس المقبل لمصر». ويقول إنه «بات واضحاً من مؤشرات كثيرة أن مشروع التوريث يواجه عقبات رئيسة تبدو على قمتها أن المرشح المقبل الذي يعبّر عن الخط التاريخي لثورة تموز (يوليو) وأجهزة الدولة على اختلافها هو الرئيس مبارك وأن هذه المؤسسات وما يحركها من تقاليد لم تجد بديلاً عن مبارك». وأوضح أن «كافة المحاولات الداعية لإحداث تغييرات كبيرة في تركيبة الخلافة السياسية لا تعتمد على أي قواعد داخل أجهزة القوة في الدولة ولا على قوى سياسية واجتماعية غالبة في البلاد، ولكنها اعتمدت على شرائح اجتماعية استفادت من التغيّرات الاقتصادية وسياسات الحكومة المتعاقبة التي أعطت مساحات واسعة لقلة من رجال الأعمال». وأضاف أن «هؤلاء سعوا إلى انتقال السلطة إلى جمال، ورهانتهم كانت تقوم على أن جمال ليس بعيداً عن جهاز الحكم الحالي وبالتالي ذلك سييسر عملية إنجاح هذا السيناريو، فضلاً عن أنهم راهنوا على أن الرأي العام المصري لا وزن له ولا تأثير في عملية اتخاذ القرارات المرتبطة بانتقال السلطة (...) لكن غاب عنهم أن انتقال السلطة منذ ثورة تموز (يوليو) يتم في إطار المؤسسة الوطنية العسكرية في مصر التي انتقل إليها الحكم بعد الثورة من أسرة محمد علي، فالجيش المصري هو أحد صنّاع الدولة الحديثة في مصر، وداعمو جمال مبارك يبدو أنهم تجاهلوا الجوانب التاريخية في مسألة بناء الشرعية السياسية في مصر، ومن ثم فإن كافة المؤشرات كانت تشير إلى ما انتهى إليه علي الدين هلال الذي صرح بوضوح أن مرشح الحزب هو الرئيس مبارك». ولفت إلى أن «مشروع التوريث يعتمد على مدى توافر العناصر الثقافية والاجتماعية والرمزية التي تستطيع حمله كي يبقى ناجزاً على أرض الواقع، وإذا ما توافرت هذه العناصر لدعم خيار وصول جمال مبارك إلى السلطة أعتقد أن مشروعه سيعود مجدداً، لكن حتى هذه اللحظة كل التمرينات السياسية والإعلامية التي قام بها أصحاب هذا الاتجاه لم تؤد إلى نجاحات ملحوظة». وقال: «في ضوء السنوات الأولى من الولاية السادسة المرجحة للرئيس مبارك يمكن تحديد ما إذا كان سيناريو تولية جمال مبارك تم توفير ركائز اجتماعية وسياسية لإنجاحه». ونفت السلطات المصرية على الدوام وجود أي مشروع ل «توريث» السلطة من الرئيس مبارك إلى نجله جمال، لكن معارضين يتمسّكون بزعمهم أن هناك مشروعاً بهذا الصدد.