بدا التشدد سيد الموقف في فرنسا امس، مع إعلان الرئيس نيكولا ساركوزي عزمه على تطبيق خطة إصلاح نظام التقاعد وتكليفه قوى الأمن بفك الحصار الذي فرضه المتظاهرون على مخازن الوقود. ودخل المحتجون في لعبة «كرّ وفرّ» مع الشرطة، كشفت استراتيجيتهم لإطالة أمد الأزمة. وفي وقت تواصلت الاحتجاجات في باريس ومدن مختلفة على خطة ساركوزي التي تتضمن رفع سن التقاعد من 60 الى 62 سنة، وزع القصر الرئاسي بياناً عقب الاجتماع الأسبوعي للحكومة الفرنسية، اكد فيه الرئيس الفرنسي انه عازم على المضي «حتى النهاية في إصلاح نظام التقاعد» لأن «واجبي الرئاسي يملي عليّ أن اضمن للفرنسيين ولأبنائهم»، تقاعدهم.ورداً على موقف الاتحادات النقابية التي تعتبر خطة الإصلاح جائرة، ذكر ساركوزي أنه حرص «على أن تكون (الخطة) على أقصى قدر ممكن من العدل»، معدداً البنود التي أعادت الحكومة صوغها في ضوء الانتقادات.كما رد على من يتهمونه بعدم الإصغاء للفرنسيين، معترفاً بصعوبة الإصلاح وبالقلق الذي يثيره، لكنه حذر من «تجاوز حدود معينة» في التعبير عن ذلك «لأن من واجبي ضمان احترام النظام لما فيه مصلحة كل الفرنسيين».كما أبدى ساركوزي عزمه على الحؤول دون إصابة البلاد بالشلل نتيجة النقص في المحروقات، وقال إنه أعطى تعليمات من أجل إعادة فتح مخازن الوقود، بحيث يعود التزود الى طبيعته في أقرب وقت، واصفاً إغلاق هذا المرفق الحيوي وإضراب عمال المصافي بأنه «انتهاك للحرية الفردية بالنسبة الى ملايين من الفرنسيين».وأظهر وزير الداخلية الفرنسي بريس اورتفو تشدداً مماثلاً، اذ هدد باستخدام القوة «إذا اقتضى الأمر»، مشيراً الى أن قوى الأمن عملت ليل اول من امس، على إعادة فتح ثلاثة مخازن وقود في مناطق فرنسية مختلفة.وبالنسبة الى أعمال عنف واكبت التظاهرات، توعد اورتفو بمحاسبة «المخربين»، مشيراً الى اعتقال 1423 شخصاً منذ أسبوع، يتواصل التحقيق مع ألف منهم، فيما أحيل 149 الى القضاء.وتساءل مراقبون في فرنسا عما اذا كان هذا الأسلوب الحازم والبوليسي سينجح في تطويق المد الاحتجاجي الذي بات يحظى بالمزيد من التأييد في أوساط الرأي العام الفرنسي.وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «ليبراسيون» أن 79 في المئة من الفرنسيين يؤيدون إعادة التفاوض مع النقابات حول خطة جديدة لإصلاح نظام التقاعد، فيما تعقد الاتحادات النقابية اليوم (الخميس) اجتماعاً لمناقشة كيفية مواصلة تحركها.ولا يزال العمل متوقفاً في المصافي ال12 لتكرير النفط في فرنسا، فيما تعاني محطات الوقود في أنحاء البلاد شحاً، أدى الى توقف نحو 4 آلاف منها عن العمل.واستمرت التحركات الاحتجاجية المتفرقة في باريس حيث نظمت تظاهرات طلابية وعمالية أدت الى قطع حركة السير الى مطاري أورلي ورواسي لبعض الوقت. وشهدت مدن فرنسية أخرى منها مرسيليا وتولوز ومونبيلييه، تظاهرات لطلاب ثانويين وجامعيين.