أين نحن من لاءات الخرطوم؟ رغم حجم هزيمة 1967 اجتمع العرب وهتفوا: لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض (مع العدو الإسرائيلي). اليوم هناك لاءات جديدة تعكس الوضع الفلسطيني: لا صلح (بين الفلسطينيين)، لا مفاوضات (نصفهم يعارضها)، لا مقاومة (النصف الآخر يعارضها). الفلسطينيون اليوم لا يتفقون على عقد اجتماع، ناهيك عن أن يجتمعوا وينهوا خلافاتهم. وهم كانوا عقدوا اجتماعاً بين ممثلين عن فتح وحماس وفصائل أخرى في دمشق الشهر الماضي لم يؤدِ الى شيء سوى الاتفاق على اجتماع ثانٍ كان يفترض أن يعقد في دمشق أمس، إلا أن الكلمات الحادة التي تبادلها الرئيس بشار الأسد وابو مازن في القمة الطارئة في سرت أدت الى طلب السلطة الوطنية عقد الاجتماع الثاني في بيروت، أو أي مكان آخر غير دمشق. ورفضت حماس. تكاد المفاوضات بين الفلسطينيين أن تكون أصعب منها بينهم وإسرائيل، فكل من الفريقين الأساسيين في الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني لا يستطيع الخروج عن تحالفاته، أو الطريق التي اختارها لنفسه. أبو مازن سيظل يعتمد على دعم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية المعتدلة، وهو يرى نتائج في حسن أداء اقتصاد الضفة الغربية وتخفيف الحواجز وفرص العمل للجميع، وكل هذا صحيح إلا أن ثمنه مرتفع، فالتعاون الأمني مع الاحتلال بلغ حداً لم يرَ الفلسطينيون مثله من قبل، وهو يستهدف أنصار حماس قبل الأمن نفسه. حماس تبدو قانعة بانفرادها بالحكم في قطاع غزة، وفي حين أن إيران تطالب الفلسطينيين كل يوم بالمقاومة المسلحة، فإن حماس أوقفت إطلاق الصواريخ على الإسرائيليين وتطارد من يطلقها، ولعلها ترى في صمودها مقاومة تنتظر فرصة الخروج منها الى المرحلة التالية. وفي النهاية (والبداية) نجاح المصالحة الفلسطينية يعتمد على دور مصر وسورية فيها والدعم السعودي، والأولى تؤيد السلطة الوطنية، والثانية تؤيد حماس، والعلاقات بين البلدين والرئيسين ليست وثيقة قوية الى درجة أن يفرض البلدان حلاً على الفلسطينيين وهما قادران لو شاءا. بصراحة، أرى الطريق مسدوداً ولا مخرج، وهناك عقلاء أو حكماء بين الفلسطينيين يعملون للمصالحة، إلا أن الخيارات والبدائل التي يتحدث عنها أخونا منيب المصري، رئيس لجنة المصالحة الوطنية، غير متوافرة أبداً، فالمطلوب أن يصفي الفلسطينيون النيّة، ولا أراهم فاعلين، وأن ترتقي العلاقة السياسية المصرية والسورية الى درجة أن يعمل الرئيسان كرجل واحد، وأن تساند المملكة العربية السعودية جهدهما بقوة بعد أن تراجعت حماستها إثر خروج حماس على اتفاق مكةالمكرمة. هذا هو الوضع الفلسطيني من دون رتوش، وهو يماثل الوضع مع إسرائيل، فالرئيس محمود عباس أجرى 30 ساعة من المفاوضات مع بنيامين نتانياهو عن الأمن والحدود من دون نتيجة على الإطلاق، ولو بقي أبو مازن مع نتانياهو 300 ساعة أو 300 ألف ساعة لما حقق شيئاً لأن الجانب الإسرائيلي لن يتنازل عن شيء، خصوصاً أنه يرى الخلاف الفلسطيني والانقسام العربي، ويجد أن هذا وذاك يصب في مصلحته، وإلى درجة أن تبلغ به الوقاحة أن يعلن بناء وحدات سكنية في القدس وأن يوسِّع الاستيطان، ثم يتوقع أن يواصل الفلسطينيون التفاوض. أخطر ما في فشل الفلسطينيين في تحقيق مصالحة أنه يضاعف الصعوبات والمشاكل في وجه المحاولة التالية. ومع ازدياد الخلاف تزداد حدّة الملاسنة، وأسمع أنصار حماس يقولون إن أبو مازن زار نتانياهو في بيته وأكل الطعام على مائدته، ولا يريد الذهاب الى دمشق، وأسمع مسؤولين في السلطة يقولون إن حماس باعت نفسها والقضية لإيران، وهي تنفذ أوامر حكومة أحمدي نجاد التي يعاديها العالم كله. هذا الجو الموبوء يعمي فتح وحماس، فلا تريان أنهما ستخسران الشارع الفلسطيني، إن لم تكونا خسرتاه وقُضي الأمر، لأن المواطن الفلسطيني في مكتب أو مصنع أو حقل سيحمّلهما معاً المسؤولية عن ضياع القضية، وسيبحث عن طرف ثالث يحمي قضيته من «أبطالها» الذين لم ينجحوا في شيء سوى تسهيل عمل إسرائيل، فيستمر الاحتلال والاستيطان والطرد والتشريد، ولا يبقى من القضية غير اسمها. [email protected]